نزعة الإلحاد
لحظات الشك البريئة غالبًا ما تكون نتاج غفلة صاحبها، واستغراقه في هموم الدنيا، وانشغاله عن التفكير والتعلم، أما من يكون إلحاده إصرارًا وجحودًا، فإنما ذلك غرور الإنسان بنفسه، وبخاصةٍ مع تطور العلوم، واعتقاد البعض أنهم ملكوا زمام الدنيا، وذلك الغرور بالعلم لا يكون إلا لأدعياء العلم، إذ إن الموغلين فيه بصدق يدركون مع كل فتح علمي ضآلة ما نعرفه عن الكون، وأن هناك ملايين الأسرار التي لم ندركها بعد، وأن الوصول إلى بعض الحقائق لا يعطي أحدًا الجرأة لينكر كل ما لم يكتشفه العلم بعد، فكيف لنا أن ندَّعي علمنا بسر البداية والنهاية، أو أن ننكر الحقيقة الكبرى التي لا تخضع لتلك العلوم بل تخضع العلوم لها، وهكذا غرور الإنسان بقليل علمه وقوته حتى يظن أن هذا الكون بلا خالق، ويظن أنه مالك زمام نفسه، وفي ذلك يقول تعالى: ﴿كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى أَن رآه اسْتَغْنَى﴾؟ فيأتي الرد قويًّا قاطعًا: ﴿إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى﴾.
وليس اغترار إنسان اليوم بدعًا من القول والفعل، فالقرآن ينبئنا من أخبار السابقين ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِندَهُم مِّنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾، واغتروا بالقوة والقدرة ﴿وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً ۖ أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً﴾، وقد تحدَّى الله هؤلاء المنكرين أن يتنبؤوا بالغيب، تحداهم أن يخلقوا ذبابًا ولو اجتمعوا له، أو أن يأتوا بالشمس من مغربها، أو أن يدرؤوا عن أنفسهم الموت إن كانوا صادقين!
ومن أسباب الشك والإلحاد طغيان هوى النفس، فالنفس التي تغرق في الشهوات لا تريد ضابطًا ولا حاجزًا يمنعها عن اللذة، لا تريد تأنيب ضمير بحرام وحلال وثواب وعقاب، فتجد لنفسها مهربًا بحجج واهية فيصدق فيه وصف الله ﴿أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُ هَوَاهُ﴾!
الفكرة من كتاب نظرات في الإسلام
من بين كل الحركات الدينية، والحركات الإصلاحية، كانت رسالة الإسلام هي الأكثر استقرارًا وتمكنًا من النفوس، والأكبر والأبعد أثرًا في المجتمعات، ودعوة الإسلام لما قامت فكأنها أنشأت الإنسان خلقًا آخر، وحوَّلته من حمية الجاهلية إلى حمية في الحق، واتحدت شخصية الداعي محمد (ﷺ)، ومنهاج الدعوة وطبيعتها، وطبيعة الأمة التي بُعث فيها النبي، اتحد كل ذلك بتدبير الله ورعايته ليتم الله لنا الدين، ويتم لنا رسالته، رسالة الفطرة والحق والإنسانية.
مؤلف كتاب نظرات في الإسلام
الدكتور محمد عبد الله دراز: إمام ومفكر مصري، ولد في محافظة كفر الشيخ عام 1894م، وهو من أسرة علمية عريقة، درس بالأزهر وحصل على الشهادة العالمية عام 1916، ابتُعِث إلى فرنسا في منحة علمية بجامعة السوربون، وحصل منها على درجة الدكتوراه في فلسفة الأديان، اشتغل بالتدريس في عدد من الجامعات المصرية، وكان عضوًا في جماعة كبار العلماء، كما كان عضوًا في اللجنة العليا لسياسة التعليم، وفي اللجنة الاستشارية الثقافية في الأزهر، وتُوفِّي عام 1958م.
ومن مؤلفاته:
النبأ العظيم، نظرات جديدة في القرآن.
الدين، بحوث ممهدة لدراسة تاريخ الأديان.
زاد المسلم للدين والحياة.