الناس أموات وأهل العلم أحياء
الناس أموات وأهل العلم أحياء
من العبارات الذائعة في الأوساط العلمية “حياة العلم مذاكرته”، وإذا ما نظرنا إلى واقع المذاكرة العلمية في حياة طلبة العلم هذه الأيام، نجد أنها تحتل مرتبة متأخرة في سلم أولويات كثير منهم، فإنا نرى واحدهم يراوح قدميه بين حضور الدروس وبين الانكفاء على نفسه متحفظًا لمتنه مستشرحًا لكتابه، وقلَّما تجد طالبًا مجدًّا يذاكر العلم مع أقرانه، وهذا لعمري يفوِّت عليه كثيرًا من العوائد النافعة التي احتكرت تقديمها مجالس المذاكرة.
إن الإمام الأوزاعي كان له مذهب فقهي متبوع انتحله أهل الشام، ثم اندثر مذهبه وفنيت معالمه، وكان من أسباب ذلك أن تلامذته لم يتعهَّدوا علمه بالمذاكرة والحفظ حتى قام سعيد بن عبدالعزيز، أحد أعلام القرن الثاني، معاتبًا أصحاب الأوزاعي قائلًا: “ما لكم لا تجتمعون؟! ما لكم لا تتذاكرون؟!”، وانظر إن شئت إلى سير الأئمة الأربعة وابحث أسباب شيوع واستقرار مذاهبهم، تجد أن السبب الأول في ذلك؛ الجهد الذي بذله تلاميذهم مذاكرةً لعلومهم، وتدوينًا لمسائلهم، فالعلم إن لم يُتعهَّد بالمذاكرة والتدوين نُسي، يقول الإمام الزهري: “إنما يُذهِب العلم النسيان وترك المذاكرة”.
والتعليم وإن كان أداة ناقلة للمعارف يرسل بها المعلم ما تلقاه وحصَّله إلى غيره، فهو ضرب من مذاكرة العلم، ذلك أن المذاكرة غالبًا ما تكون بين طرفين مشتركي الرتبة، ولذا كان من قرين المذاكرة المشاكلة في العلم والفهم، في حين أن التعليم غالبًا ما يكون المعلم في المادة التي يلقيها أعلى رتبة من المتلقي، وقد قيل إن أفضل طريقة لفهم المشكلة المعقَّدة أن يضطر المرء إلى تدريسها، وعلى قدر حذق الطلبة وسلامة تكوينهم، وتمكُّنهم من إثارة السؤالات ينتفع المعلم من تعليمهم، ويكأن الجزاء من جنس العمل، فكما علم الناس ما يعلم جزاه الله بأن علمه ما لم يعلم.
الفكرة من كتاب ارتياض العلوم
إن سعة الاطلاع وامتلاك المصادر، والاستكثار من المعلومات مطلب لبلوغ مدارج العلماء، إلا أنه وحده لا يكفي طالب العلم للرسوخ في العلم والارتياض به، بل هو مرهون قبل ذلك بسداد بصيرة الطالب، وامتلاك المواهب والاتكاء عليها لتحقيق العلم وحسن التصرف فيه، فكيف يرتاض الطالب العلوم؟ من هنا جاء هذا الكتاب المبدع، وقد صنَّفه الكاتب بطرق غير مألوفة في سائر المؤلفات، ناقلًا كلام الأئمة الكبار، بعيدًا عن الإغراق في رسوم الخطط ومباني البرامج ليمهِّد الطريق أمام طلاب العلم، فبالارتياض يسهل منه ما استصعب ويقرب منه ما بعد، فإن للرياضة جراءة وللدُّربة تأثيرًا.
مؤلف كتاب ارتياض العلوم
مشاري بن سعد الشثري: ولد في الرياض عام 1989، وهو كاتب وباحث في مركز البحوث والدراسات التابع لمجلة البيان، له عدة مقالات منشورة وغير منشورة، وله عدة مؤلفات منها: “عبقرية الإمام الشافعي المدد والمداد”، و”غمرات الأصول المهام والعلائق في علم أصول الفقه”، و”الموازنة بين المختصرات الأصولية”، و”صناعة التفكير الفقهي”.