الأصل التوازن
الأصل التوازن
في ظل التغيرات والتقلُّبات الحياتية السريعة وانتشار المادة ومحوريتها في حياة الفرد يكاد ينسى أصله الطيني السماوي الذي إليه ينتمي، فمنه جاء وإليه يعود وما وجوده على ظهر هذه الأرض إلا لغرض محدد ورسالة سامية قد يطول زمانه فيها أو يقصر ولكنها مقدَّرة مؤقَّتة في النهاية، إلا أن المادة تأبى إلا أن تجذبه إلى الأرض والطين جذبًا وتقطع علائقه بالسماء والروح ليصبح كالأنعام بل أضل سبيلًا! وعلى الجانب الآخر فمنهم من انعزل في صومعة بمنأى عن الحياة جميعها يزعم أنه بذلك يترفَّع بروحه عن المادة ويحفظ جسده من الشهوة!
إن الإنسان خلق الله المكرم، المخلوق من طين أرضي والمنفوخ فيه من روح الله (جل وعلا)، وهذه التركيبة أنشأت بداخله احتياجات فطرية لكل من المادة والروح، فيحتاج أن يأكل ويتزوَّج ويعمل ويسدَّ حاجته، ويحتاج أيضًا أن يتصل بخالقه، وأن يفهم مراده وأن يعمل به، والخلل في تلبية احتياجات أحد الجانبين يقلب حياته إلى كدر وجحيم لا يطاق.
للإنسان أن يسمو بوحي الله وشرعه فيستحق سجود الملائكة ورفعة الله له، وله أيضًا أن ينأى مبتعدًا عنه فيودي بنفسه في وديان الهلكة والشقاء، هذه حقيقة خلقه ولن يستطيع أن يفر منها أو يؤوِّلها تأويلات وجودية أو حداثية أو عدمية سيظل في تيه حتى يقبل بضعفه ويستعلي عليه بنفخة الروح فيه، فكرامته نابعة من تكريم الله له، فبنفخة الروح استحق أن يُكرِّم ويُمجِّد وأن تسخَّر له الأرض وما عليها.
ويشير الغزالي إلى أن الدين الخاتم الأبدي يستوعب احتياجات الإنسان كلها، لذا فهو لم يأمره برهبنة ولا انعزال، وكذا لم يتركه يمرح في الأرض ويضرب هنا وهناك بغير توجيه أو ضابط، وإنما وازن بين احتياجاته وواجباته الدنيوية وواجباته الأخروية، وأرشده إلى أن يجعل من احتياجاته الجسدية الطينية وسائل لا غايات تساعده على سموِّه الروحي وسعيه في الأرض، سعيًا يضيف إلى كل شيء في هذه الحياة نفحة من الروح العليا التي وهبها الله سبحانه إياه فضلًا وتكرمًا وتسخيرًا لمصالحه.
الفكرة من كتاب الجانب العاطفي من الإسلام
إن «صدق العاطفة ليس عذرًا للخلط العلمي، ولا للقول في دين الله بالهوى والرأي، فإن للإسلام ينابيع معروفة محصورة تؤخذ أحكامه منها وحدها، ولا يؤذن لبشر بالزيادة عليها أو الانتقاص منها».
مجموعة من المقالات المنوعة المترابطة كونها تصحِّح التصوف المغلوط وتوضحه من وجهة نظر إسلامية صحيحة، وتربط أعمال القلوب بأصل الدين ووجود الإنسان وهدفه وغايته بأسلوب سهل قريب للقارئ.
مؤلف كتاب الجانب العاطفي من الإسلام
محمد الغزالي: عالم ومفكر إسلامي مصري، وأحد دعاة الفكر الإسلامي في العصر الحديث، عُرِف عنه تجديده في الفكر الإسلامي، كما عُرِف بأسلوبه الأدبي في الكتابة واشتهر بلقب أديب الدعوة. ولد في الخامس من ذي الحجة 1335 هـ/ 22 سبتمبر (أيلول) 1917م، وتوفي يوم 20 شوال 1416 هـ/ 9 مارس (آذار) عام 1996م، تاركًا لنا مكتبة عظيمة من الكتب والمؤلفات.
ومن أبرز مؤلفاته:
فقه السيرة.
هموم داعية.
جدد حياتك.
نظرات في القرآن.
سر تأخر المسلمين والعرب.