كل ما هو شاذ قد يصير اعتياديًّا
كل ما هو شاذ قد يصير اعتياديًّا
إن العدد الهائل من المواقع الإلكترونية التي تهتم بنشر الشذوذ، سواء كان شذوذًا فكريًّا أو جنسيًّا أو غيرهما، جعل من السلوكيات والتصرفات غير السوية ظاهرة شائعة بين الناس، فقبل نحو 20 عامًا كان من الصعب على المرء أن يجد المواد الإباحية بسهولة، لكن التكنولوجيا غيرت كل ذلك، فعلى سبيل المثال: خلال السنوات العشر الأخيرة زاد البحث عن المواد الإباحية المتعلقة بالساديَّة والمازوخية إلى 67%، كما انتشرت المواقع والمجموعات التي تتكلم عنهما؛ ففتح الإنترنت بذلك مفهومًا جديدًا وغريبًا عن الحرية، وهو حرية إيذاء الآخرين من أجل المتعة، وكذلك حق الإنسان في أن يتعرض للأذى والألم من أجل المتعة أيضًا.
فقد كانت فرصة أن يلتقي شخص له توجُّه سادي أو مازوخي يعيش في أمريكا آخر يعيش في روسيا -قبل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي- تكاد تكون معدومة، لكن في عصر الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي صار الأمر بالغ السهولة، فبضَغطة زر واحدة يستطيع أي شخص أن يطرح سلوكياته وأفكاره وآراءه الشاذة ويجد آخرين يشاركونه ذلك.
كما أن التعارف على الإنترنت تحت تأثير عدم التحفظ والهوية المجهولة، قد يجرف المرء الطبيعي والسوي أن يدخل في مجموعات شاذة، وأن يكون صداقات مريبة ومثيرة توقع به في النهاية، فقد يتبنى الإنسان تلك المواقف أو الآراء الشاذة بسبب انتشارها في الفضاء السيبراني، فيترتب على ذلك أن يصير الأمر الشاذ مألوفًا واعتياديًّا بالنسبة إليه، ثم ينتابه بعد ذلك شعور بالرغبة والفضول في ممارسة تلك السلوكيات والأفعال الشاذة، ما يعني أن أي أفكار أو معتقدات تكون مستهجنة أو لا تشعرك بالارتياح قد تصبح عادية وطبيعية بمرور الزمن.
الفكرة من كتاب التأثير السِّيبراني.. كيف يغيِّر الإنترنت سلوك البشر؟
تشهد حياة البشر تغيرات كبيرة بفعل تأثير الفضاء السيبراني -الإلكتروني- في السلوك البشري، نعم، إن الحياة الواقعية تتميَّز عن الفضاء السيبراني، لكن هناك كثيرًا من المعايير الجديدة المستحدثة والناشئة في الفضاء السيبراني تهاجر منه إلى حياتنا الواقعية وتؤثر فيها، والعكس صحيح، ما يجعل الحد الفاصل بين الفضاءين يكاد يكون معدومًا، والسيبرانية هي “دراسة تأثير التطور التكنولوجي في السلوك البشري”، فنجد أن شعور المرء بأن هويته مجهولة في الفضاء السيبراني يعزز لديه (عدم التحفظ)، وبالتالي عدم الشعور بالإحراج مما يقول أو يفعل، وبالتالي نحن نعيش مرحلة فريدة جدًّا في تاريخ البشرية، فانتشار الكثير من التقنيات الجديدة يؤدي إلى عمل تشويش على الأفكار، كما يترتب عليه حدوث زلازل في نمط العيش والتفكير، فأدى ذلك إلى تغيير علاقاتنا مع الآخرين، وبما أنك تستخدم هذا الفضاء السيبراني وتقتطع جزءًا من وقتك لتعيش فيه، فعليك أن تعرف بعض الأشياء للتعامل معه، وذلك من خلال فهم طبيعة السلوك البشري، وكيف يتغير سلوكنا على الهواء (أي الفضاء السيبراني).
مؤلف كتاب التأثير السِّيبراني.. كيف يغيِّر الإنترنت سلوك البشر؟
ماري آيكن Mary Aiken: خبيرة عالمية أيرلندية في علم النفس السيبراني الذي يختص بدراسة تأثير التكنولوجيا في السلوك البشري، وهي أستاذة في علم النفس السيبراني الجنائي في جامعة شرق لندن، وأستاذة مساعدة في يونيفيرسيتي كوليدج دبلن بأيرلندا.
كما أنها عضو في مجموعة الإنتربول العالمية لخبراء الجرائم الإلكترونية، ومستشار أكاديمي للمركز الأوروبي للجرائم الإلكترونية التابع لليوروبول، وهي زميلة في الجمعية الملكية للطب، وزميلة عالمية في مركز ويلسون بواشنطن العاصمة، وعضو في جمعية Medico-Legal، وعضو منتسب دولي في الجمعية الأمريكية لعلم النفس (APA) وزميلة جمعية محترفي تكنولوجيا المعلومات المعتمدين.
لها مجموعة من الكتب، ترجم منها إلى اللغة العربية:
كتاب “التأثير السيبراني.. كيف يؤثر الإنترنت في سلوك البشر؟”.
وباللغة الإنجليزية كتب منها:
Life in Cyberspace.
CyberPsyched.
معلومات عن المترجم:
مصطفى ناصر: مترجم عراقي حاصل على البكالوريوس من كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية في جامعة البصرة، ونال جائزة الدولة للإبداع العراقي في حقل الترجمة عام 2019، له عدة كتب مترجمة، منها:
ما المعرفة؟
الأثر.. كيف يؤثر القانون في السلوك؟
الهجرة.. كيف تؤثر في عالمنا؟
التأثير السيبراني.. كيف يؤثر الإنترنت في سلوك البشر؟