إشكالية البحث
إشكالية البحث
الإشكالية في اللغة هي الأمر الملتبس والمختلَط مع إمكانية الوصول إلى حل علمي له، وهذه اللفظة أكثر خصوصية بمجال البحث العلمي دون باقي المجالات، وإشكالية البحث تعبِّر عن فراغ أو نقص في المعارف العلمية المتصلة بمسألة معينة، تتسم بالدقة والتحديد، وهي دائمًا قابلة للتطور ومتغيرة مع معطيات المعرفة، وتمثل الإشكالية نقطة البداية التي يستخرج منها الباحث الأسئلة الكبرى التي ينطلق منها إلى دراسة موضوعه، كما يجب أن تشتمل الإشكالية البحثية على القضية المركزية للبحث، والتي تختلف فيها وجهات النظر المعروضة.
تتبلور إشكالية البحث في ذهن الباحث على مراحل، تبدأ بالتساؤل الأوَّلِيِّ الذي يجسِّد شعور الباحث بمشكلة في قضية ما من قضايا اختصاصه، ثم يعاين الباحث المشكلة كما هي مطروحة في تساؤله الأولِيِّ، ويتأكد من تحديد مشكلة الدراسة بشكل دقيق عن طريق تحويلها إلى أسئلة مباشرة، ثم ينظر الباحث في الآراء المطروحة حول هذه الإشكالية ويحاول تلمُّس أسباب الخلاف إن وُجِد.
في هذه المرحلة يجد الباحث نفسه أمام السؤال المهم: هل هذه الإشكالية جديرة بالبحث حقًّا؟ يُخضِع الباحث إشكاليته للمقارنة بإطار نظري موجود بالفعل، أو يحاول ابتكار نموذج جديد يجعلها جديرة بالبحث، وإذا تَسَنَّى له ذلك ينتقل إلى مرحلة صياغة الإشكالية، وهي المرحلة التي تنتقل فيها الإشكالية من ذهن الباحث إلى نص محكم يُسهِّل على القارئ استيعابها.
من أين يستمد الباحث تصور الإشكالية؟ إن الإشكالية المحكمة لا تأتي بين عشية وضحاها ولا من طريق القراءة المقتضبة، إنما من القراءة الموسَّعة في المجال وخارج المجال؛ حتى لا يترك الباحث أي كلمة كُتِبت حول الموضوع إلا ويقرؤها ويستوعبها، كما تلعب الخبرة العملية دورًا مهمًّا في هذه العملية، فكثرة التمرُّس بالمجال البحثي تنمِّي نوعًا من المَلَكات التي تعين الباحث على التقاط القضايا الإشكالية وصياغتها في صورة مشاريع بحثية.
الفكرة من كتاب المدخل إلى منهجية البحث وفن الكتابة مع تطبيقات في العلوم الشرعية
البحث العلمي الصحيح هو معيار تقدم الأمم في مختلف المجالات، به تنتظم شؤون الناس وتُحفَظ مصالحهم، شريطة أن يكون البحث العلمي نفسه منضبطًا بأصول وقواعد تحفظه من الزلل والانحراف، تلك الأصول تُعرف باسم “المنهجية العلمية”، ثم تتكامل هذه المنهجية مع مَلَكة الكتابة البحثية التي تشكِّل جسر العبور بين عالم أفكار الباحث والقراء، ومتى ما تكامل للباحث امتلاك منهجية التفكير والكتابة الفعالة صار قادرًا على الإبداع في اختصاصه وإحداث تأثير مشهود.
هذا الكتاب يقدم الأصول التي لا غنى عنها لأي باحث في حقل الدراسات الإنسانية ليضع قدمه على بداية طريق البحث العلمي الرصين.
مؤلف كتاب المدخل إلى منهجية البحث وفن الكتابة مع تطبيقات في العلوم الشرعية
الدكتور عبد الرحمن حللي: كاتب وأستاذ جامعي سوري مقيم في ألمانيا، حاصل على الدكتوراه في علوم القرآن من جامعة الزيتونة 2004، وهو أستاذ مشارك في الدراسات الإسلامية بجامعة حلب – سوريا، وهو باحث زائر في جامعة برلين الحرة، تركز اهتماماته البحثية على الدراسات القرآنية، والتعليم الديني، والفكر الإسلامي المعاصر.