الأنا الجديدة
الأنا الجديدة
إن كلمة “سيلفي” مشتقة من كلمة self في الإنجليزية، وتعني النفس وأحيانًا تعني “أنا وحدي”، وأضيف إليها “ie” كلاحقة عاطفيَّة أو عاميَّة، وقد ظهرت السيلفي في جميع أنحاء العالم بفضل الثورة التكنولوجية، والسيلفي قد يبدو ظاهرة تلقائية عفوية، إلا أنها تحمل الكثير من الدلالات التي تُعبِّر عن تحولات في علاقتنا مع أنفسنا ومع الآخرين.
لقد مرَّت “الأنا” بكثير من المحاولات لتحديد مضمونها، ويمكننا القول إن الأنا لا تعني فقط أننا موجودون فحسب، بل إدراكنا ومعرفتنا بذلك، كما أنها أصل الأفعال، ولها ارتباط كبير بالهوية، إلا أن الثورة الرقمية شوَّشت على مضمونها، لقد أصبح الهاتف الذكي امتدادًا لأنفسنا، إنه يلتصق بنا، وكأن الشاشة صارت الوسيط بيننا وبين ذواتنا.
إن الذات تعي بنفسها من خلال الأفكار والمشاعر والرغبات، فالذات تستمدُّ أصلها من نفسها وهذا في حيِّز الزمان والمكان الواقعي، إلا إن الفضاء الافتراضي فقد الزمان والمكان، وصار الاستعمال والتشييء يُمثِّل الموجود، وبالتالي صار السيلفي “الصورة” هو ذاتنا المُتمثلة، وتحوَّل الإدراك بالذات من خلال التفكير إلى الصورة، ففي عصر ديكارت ذكر “أنا أُفكِّر إذًا أنا موجود”، أما في عصرنا “أنا ألتقط صورًا ذاتية، إذن أنا موجود”.
ولهذا فإن الشخص الذي يُكثر من صور السيلفي يفتقر إلى الثقة في النفس، إنه يلتقط خمسين صورة ليختار أجملها، ثم يستخدم الفلتر ليضبطها، حتى إذا ما رأى الصورة فإنه يطمئن، وبالتالي يستعيد شيئًا من الثقة، وأخيرًا يقوم بعرضها على الشبكات الاجتماعية للحصول على الكثير من اللايكات فيزداد ثقة، فإنه تسويق ذاتي، حيث أصبحت “الأنا” ماركة.
الفكرة من كتاب أنا أوسيلفي إذن أنا موجود: تحوُّلات الأنا في العصر الافتراضي
يرفع هاتفه أمام وجهه.. يمد ذراعه.. يبتسم ويلتقط الصورة لنفسه، قد يبدو مشهدًا معروفًا ومفهومًا جدًّا في عصرنا الحديث، لكن دعنا نتوقَّف قليلًا ونتساءل: هل يبدو هذا التصرُّف طبيعيًّا؟ وهل الإنسانية الممتدة من خلال هذا المشهد ستكون طبيعية؟ وهل بالفعل سهَّلت مواقع التواصل الاجتماعي عملية التواصل بين البشر وجعلتهم أكثر قُربًا؟
قد يعتقد كثيرون أنه بالفعل قد أضافت مواقع التواصل الكثير من الفرص إلى الإنسان الحديث، لكن هناك جانبًا مُظلمًا، بل شديد الظلامية في هذه المواقع، إنها تخلق أشكالًا جديدة من الوهم والتضليل والتيه، إذ إن الصور التي تُلتقَط وتنتشر ما هي إلا محاكاة للكثير من التصوُّرات النفسية المشوَّهة التي تحتاج إلى تحليل وتفصيل.
قدَّمت لنا الكاتبة حقيقة الأزمة التي أحدثتها الثورة الرقمية في أنماط رؤيتنا للعالم ولأنفسنا، لنُدرك كيف أن الإنسان الحديث يعيش في سجن وهمي قد بناه بيده، بل وتحذِّرنا مما هو آت!
مؤلف كتاب أنا أوسيلفي إذن أنا موجود: تحوُّلات الأنا في العصر الافتراضي
إلزا غودار: أستاذة الفلسفة ومحلِّلة نفسانية وكاتبة فرنسية من مواليد 1978م، تعمل باحثة جامعية في جامعة باريس كريتاي، كما أنها مديرة أبحاث التحليل النفسي في جامعة باريس، حاملة لدكتوراه في الفلسفة، وعلم النفس، وعلم النفس التحليلي، وهي عضو الاتحاد الأوروبي للتحليل النفسي.
من مؤلفاتها:
Freud à la plage: La psychanalyse dans un transat (A la plag)
Ethique de la sincérité: Survivre à l’ère du mensonge (Hors Collection)
معلومات عن المترجم:
سعيد بنكراد: مفكر وباحث وأستاذ السيميائيات بكلية الآداب جامعة محمد الخامس أكدال بالرباط بالمغرب، وهو المدير المسؤول لمجلة “علامات”، وهي مجلة متخصِّصة في الدراسات السيميائية، وله عدد من الأعمال منها: “وهَج المعاني: سيميائيات الأنساق الثقافية”، و”بيرنار كاتولا: الإشهار والمجتمع”.