تهيئة العقل الغربي للتطبيع مع الشر والأشرار
تهيئة العقل الغربي للتطبيع مع الشر والأشرار
ما العوامل الفلسفية والتاريخية التي دفعت العقل الغربي إلى تبني رؤية نسبية للقيم كالخير والشر؟
تلقى العقل الغربي ضربات متلاحقة أدت إلى اختلال توازنه وفقدان مركزيته، وكانت أقسى ضربة هي التي وجهها “داروين” إلى الإنسان؛ حيث رأى أن الإنسان ينتمي إلى مملكة الحيوان وينحدر من سلالة القردة، واعتبر أن التنازع من أجل البقاء هو ضرورة حتمية، وأن البقاء سيكون للأصلح والأجدر، وكانت هذه الأفكار مسوغةً لإبادة بعض الشعوب وتوسع القوى العظمى على حساب أمم أخرى!
هذه الأفكار -والكوارث التي ترتبت عليها- أظهرت الأزمة الأخلاقية والروحية التي أصابت المجتمع الغربي، كما أثارت سؤالًا وجوديًّا عن الغاية الإنسانية في هذه الحياة، ولذلك دخل العقل الغربي بعدها في مرحلة من التشاؤم والفوضى، وبدأ المزاج العقلي والنفسي في الغرب يميل إلى فكرة التدهور والاضمحلال -بدلًا من التقدم والتطور- بسبب الانحلال الأخلاقي والكوارث المتلاحقة وعدم قدرة الإنسان على التحكم في الكون، وهكذا بزغ عهد “ما بعد الحداثة”.
في ظل هذه الأجواء، ظهر الفيلسوف الألماني “نيتشه” الذي بشَّر بالإنسان الأعلى -أو السوبرمان- الذي يستطيع النهوض من هذا التيه ليستعيد أمجاد الحضارة الأوروبية! هذا الإنسان الأعلى يجب أن يتحرَّر من كل المُثل والأخلاق، لذلك حاول نيتشه قلب كل القيم السائدة ليصبح الشر هو الخير، وأكَّد قيمة واحدة مهمة وهي القوة الهائلة التي تمكِّن الإنسان من السيطرة على الكون؛ فإرادة القوة هي جوهر الحياة، وقد كانت أفكار نيتشه ملهمة لكتَّاب الأفلام؛ فمثلًا استلهم “كريستوفر نولان” -مخرج فيلم فارس الظلام- مقولة نيتشه الشهيرة “ما لا يقتلني يجعلني أقوى” ووضعها على لسان الجوكر.
ثم ظهرت فلسفة التفكيك مع “جاك دريدا” وغيره، وقامت بتفكيك اللغة واعتبار أن كل كلمة تختلف عن الكلمة الأخرى دون وجود أي مرجع يفسر أو يربط هذه الكلمات، وبالتالي يمكن أن يصبح مدلول الكلمة عند شخص ما مختلفًا عن مدلولها عند شخص آخر، فلا يوجد معنى مطلق مرجعي للشر أو للخير، بل معانٍ نسبية تختلف من شخص إلى آخر.
الفكرة من كتاب الأشرار
هل شاهدتَ فيلم الجوكر أو فيلم ماليفيسنت أو حتى فيلم كرويللا؟ أصبح أشرار الأمس أبطال اليوم، وأبطال الأمس أشرار اليوم، هذه الظاهرة العكسية أصبحت تتكرَّر في كثير من أفلام السينما، حيث تكون شخصية شريرة هي بطلة الفيلم وتدور الأحداث حول الحياة الصعبة القاسية التي مرت بها الشخصية حتى أمست شريرة؛ فيتعاطف معها المُشاهد أو يقع في حبها في النهاية.
يناقش كتاب “الأشرار” هذه الظاهرة الغريبة من خلال رصد الأفلام التي ظهر فيها الشرير بشكل جذاب ومحبَّب للنفس، ثم يستعرض الأسباب التي تؤدي بنا إلى محاباة الأشرار والتعاطف معهم سواء أثناء مشاهدة الأفلام أو في حياتنا الواقعية، كما يتناول العوامل التاريخية والفلسفية التي هيَّأت العقل الغربي للتطبيع والتصالح مع الأشرار، وأخيرًا يتحدث عن العلاقة بين صناع القرار وتجار الإعلام التي يكون هدفها الأساسي التلاعب بالجماهير وتوجيه الرأي العام في اتجاهات معينة.
مؤلف كتاب الأشرار
عمرو كامل عمر: صيدلي وباحث وكاتب مصري، صدر له العديد من المؤلفات والكتب.
من مؤلفاته: كتاب “حصان طروادة”، وروايتا “1984” و”سينماتوغراف”.
كريم طه: خبير تسويق مصري.
محمد الهمشري: أخصائي أمراض نفسية مصري.