الاستعمار وحروب التجارة
الاستعمار وحروب التجارة
عندما بدأ الغرب في استعمار دول الجنوب خلال السنوات الخمسمائة الماضية، تحوَّلت التجارة إلى سلسلة من الحروب ضد شعوب الجنوب، من تجارة العبيد إلى تجارة السلع، إلى حرب لا هوادة فيها تشنُّها البلدان الصناعية ضد البلدان التي كانت تزوِّدها بالعبيد والسلع، فعلى سبيل المثال: في أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، قد أدَّت التجارة البريطانية مع الهند إلى استعمار الإنجليز للهند! بدأت القصة مع “شركة الهند الشرقية” التي رُخِّصت بوصفها شركة من التجار في لندن، هدفها القيام بالأعمال التجارية مع جزر الهند الشرقية، وتمثلت تلك الأعمال التجارية في التجارة بالسلع، مثل القطن والحرير والأصباغ والملح والشاي والأفيون، وبمرور الوقت، وبمنطق فرِّق تسُد، شكَّلت الشركة الإدارة الخاصة بها، وقواتها المسلحة للسيطرة على الهند، وحاول الهنود القيام بثورة عام 1857م إلا أن بريطانيا وصفت تلك الثورة بالعصيان، وسحقتها بوحشية، وخضعت الهند التي تبلغ مساحتها (13.5) ضعف إنجلترا للسيطرة المباشرة للتاج البريطاني عام 1858م!
خلال قيام شركة الهند الشرقية بالسيطرة على الهند، كانت قد احتكرت إنتاج “الأفيون” وتجارته، وكانت إنجلترا مع عدد من دول أوروبا تمارس التجارة مع “الصين” التي كانت مكتفية ذاتيًّا، وليس لديها دافع أو حاجة إلى التجارة مع أوروبا، غير أن أوروبا كانت غير مكتفية ذاتيًّا وكانت في حاجة إلى الشاي والحرير والبروسلان وغيرهم من الصين، فاشترطت الصين أن يتم دفع الثمن “بالفضة”، إلا أن بريطانيا لم يكن عندها ما يكفي من الفضة لدفع ثمن ما تشتريه من الصين، وبناءً على ذلك أُرغمت الصين على قبول “الأفيون” المنتج في الهند كثمن لهذه السلع الصينية بدلًا من الفضة! ولم يكن الصينيون مهتمين بالأفيون، فأدَّى ذلك إلى اندلاع (حرب الأفيون الأولى)، و(حرب الأفيون الثانية)، والتي عرفت (بالحروب الأنجلو – صينية) التي كانت بين عامي (1836 و1860)، وانتهت بسيطرة واستعمار أوروبا لمدن الصين الساحلية بموجب معاهدات غير متكافئة فرضت على الصين فرضًا!
إن تاريخ التجارة منذ ميلاد الرأسمالية، قد كُتِب بالدم والعنف، وبالتالي فإن النظرية السائدة التي تقول إن التجارة تمثِّل محرك النمو، وأنه من المفيد للدول الانخراط في التجارة، هي نظرية زائفة لأن النمو لا يُترجم إلى تنمية الشعوب كلها، إذ إن التنمية هي للأغنياء والفتات للفقراء!
الفكرة من كتاب التجارة حرب.. حرب الغرب على العالم
يحلِّل الكاتب في هذا الكتاب أحد الأسلحة الرئيسة التي تستخدمها القوى الغربية لاستغلال شعوب “جنوب العالم” واستعبادها، وبخاصةٍ الشعوب الأفريقية، وهذا السلاح هو “التجارة الدولية”، ويبحث كذلك في نضال بلدان الجنوب، ومقاومتهم بشأن مُختلَف نواحي التجارة الدولية، فعلى سبيل المثال: نجد أن أسلوب الاتحاد الأوروبي في التفاوض مع هذه البلدان يرقى إلى الابتزاز، فعليك أن توقِّع على الاتفاقيات التي تحقق أهدافهم وإلا سيوقفون المعونات الاقتصادية التي تتلقَّاها منهم! وقد استطاع “ياش تاندون” -بعبقريته التحليلية والتفاوضية إلى جانب قدرته على الإقناع- التصدي لكثير من الضغط، وكشف ابتزاز الاتحاد الأوروبي لدول الجنوب، لذلك يعد هذا الكتاب دليلًا للقتال والنضال ضد النظام الوحشي الذي يهيمن على العالم هذه الأيام.
مؤلف كتاب التجارة حرب.. حرب الغرب على العالم
ياش تاندون : هو مفكر وكاتب مقالات، ومؤلف، ومناضل، وناشط سياسي (أوغندي)، حصل على بكالوريوس الاقتصاد من كلية لندن للاقتصاد عام (1961)، وحصل على الدكتوراه في العلاقات الدولية في كلية لندن للاقتصاد عام (1969)، لها مؤلفات عديدة منها:
In Defence of Democracy.
Daring to Think Differently: Development and Globalisation
معلومات عن المترجم:
عبد الجليل محمد مصطفى: مترجم، ترجم عددًا من الكتب منها:
فوربس: أعظم قصص الأعمال على مر العصور.
المرجع في تربية الموهوبين للمرحلة الثانوية.