علَّم الإنسان
علَّم الإنسان
في كل فلسفة يتحدَّد ما هو مصدر المعرفة الذي يؤخذ منه العلم وما ميدانها والغاية منها، ففي فهم الغاية من المعرفة يتوجه الإنسان توجُّهًا صحيحًا بُخطى واعية، والغاية من المعرفة في التربية الإسلامية هي معرفة الله (عز وجل)، وذلك لأنه بمعرفة الله (سبحانه وتعالى) ومعرفة أفعاله وصفاته يكون الإنسان قد آوى إلى الركن الشديد، فالله (عز وجل) هو المصدر الحقيقي للعلم والمعرفة، ومعرفته سبحانه واسعة لا حد لها، وكل معرفة إنسانية هي في حقيقتها مُستمدَّة من المعرفة الإلهية، يقول الله تعالى: ﴿عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾.
والمعرفة في الفلسفة الإسلامية لها ميدانان: ميدان الغيب وميدان الشهادة، وميدان الشهادة ينقسم إلى ميدان الآفاق والأنفس، وبالجمع بين الميدانين يتكوَّن التصوُّر الكامل للأشياء، فالعلاقة بين عالم الغيب وعالم الحس علاقة تكامل، فالبراهين الدالَّة على عالم الغيب مشاهدة في عالم الحس، وإننا نرى المخلوقات تكون في عالم الغيب فتأتي إلى عالم الحس ثم تعود إلى الغيب مرَّة أخرى.
أما أدوات المعرفة في فلسفة التربية الإسلامية فهي: الوحي والعقل والحس، والجامع بينهم قد جمع كثير العلم، فالوحي يحمي العقل من الانحراف، ويوجِّه إلى ما ينفعه ويُذكِّره بالغاية من العلم، والعقل والحس يزيدان اليقين القلبي، وبهذا يرسخ العلم الصحيح ويكون الإنسان مُحيطًا به.
ولو لاحظنا أثر الانشقاق بين أدوات المعرفة لأدركنا خطورة ذلك، فمثلًا كان سبب ظهور المتكلمين هو انعتمادهم على العقل وحده كأداة للمعرفة، والمعرفة المعاصرة اعتمدت على الحس وحده، وبهذا حدث الخلل الإنساني والتلوُّث البيئي الذي نرى أثره في حياتنا، فظهر الإنسان ذو البُعد الواحد.
لذلك فإن فريق المعرفة في فلسفة التربية الإسلامية يتكوَّن من الرسل الذين يتلقَّون كلام الله ويبلغونه للناس، ومن العلماء الذين يُعملون اجتهادهم في فهم آيات الله وفي التفكُّر في الآفاق والأنفس، فيظهر لنا علماء دين، وعلماء طبيعة، وعلماء اجتماع، وتتكامل الأدوار بينهم فتتزن الحياة ويهتدي الناس إلى الصراط المستقيم.
الفكرة من كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
لكل فِعلٍ ظاهر نقوم بِه، هناك تصوُّر باطن قد شكَّل هذا الفعل وجعل نفوسنا تتقبَّله، هذا التصوُّر يعتمد بشكل كبير على عدد من المركزيات في حياة الإنسان، وعلى بعض القيم والأهداف التي لها مكانة كبيرة في نفسه، والتي تحدِّد له الأدوات التي يسعى بها، ووفقًا لتلك القيم والأهداف يتشكَّل الإنسان، وهذا يمكننا تسميته بـ”فلسفة التربية”، فلكلِّ فلسفة غايات معينة تُشكِّل النموذج الإنساني الذي يتطابق تصوُّره وفقًا لتلك الفلسفة، فحينما نتأمَّل حال الإنسان المُعاصر ونقف جيِّدًا مع تصرفاته ودوافعه سنُلاحظ أن هناك فلسفة ما تشكَّل بها تصوُّره فنتج عنها تصرفه، فما هي إذًا فلسفة التربية لدى الإنسان المُعاصر؟ وهل هناك نموذج فلسفي تربوي كامل يرتقي بالإنسان؟ وماذا نعني بفلسفة التربية الإسلامية؟
في كتابنا يفتح لنا الكاتب آفاقًا جديدة لمعرفة إجابات تلك الأسئلة، ونُدرك جيدًا إلى أيِّ التصوُّرات ننتمي، وكيف ننظر إلى تلك الحياة.
مؤلف كتاب فلسفة التربية الإسلامية -دراسة مقارنة بين فلسفة التربية الإسلامية والفلسفات التربويَّة المعاصرة-
الدكتور ماجد عرسان الكيلاني: مُفكِّر ومُؤرِّخ وتربوي أُردني، وُلِد عام 1932م، وحصل على شهادة الماجستير في التاريخ الإسلامي من الجامعة الأمريكية في بيروت، وشهادة الماجستير في التربية من الجامعة الأردنية، وشهادة الدكتوراه في التربية من جامعة بتسبرغ في بنسلفانيا في الولايات المتحدة الأمريكية.
حصل الدكتور ماجد الكيلاني على عديدٍ من الجوائز والتكريمات من دول العالم المُختلفة، منها: جائزة الفارابي العالمية للعلوم الإنسانية والدراسات الإسلامية، وتوفِّي في عام 2015 م، بعد أن قدَّم الأفكار الكبيرة والأعمال الضخمة التي تُصحِّح للأمة الإسلامية مسارها.
ومن مؤلفاته:
“هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس”، و”أهداف التربية الإسلامية”، و”الدور اليهودي في التربية المعاصرة”.