الشهيدة الأولى
الشهيدة الأولى
قبل البِعثة، وفد ياسر بن عامر العنسي من اليمن إلى مكة ليقيم فيها، واختار ياسرُ أبا حذيفة بن المغيرة المخزومي حليفًا وعاش في كنفه بين بني مخزوم، وأعُجب أبو حذيفة به فأعتق مولاته سمية بنت خُباط وزوجها منه، وكانت سمية مُكرَمةً عنده وذات مكانة خاصة كما كان ياسر. ورُزق الزوجان عمَّارًا وعبد الله، وحرصا على تربيتهما تربية طيبةً، فعرف ولداهما بالاستقامة والأخلاق الحسنة بين شباب قريش، ولم يكدر سعادة هذه الأسرة إلا موت أبي حذيفة، لكن الأمر مر وعادت حال الأسرة إلى ما كانت عليه.
ثم بُعث النبي (ﷺ)، وكانت الدعوة إلى الدين الجديد حدَثًا مزلزلًا في قريش، وبلغ خبرها أسماع ياسر، فأحب أن يسمع من محمد (ﷺ) بنفسه، فلقيه في دار الأرقم بن أبي الأرقم، فصدق وآمن، وشرح لسمية ما عرف فآمنت، وجمعا ابنيهما فأخبراهما، فآمنا، وانطلقوا ليعلنوا إسلامهم بين يدي رسول الله (ﷺ).
كانت الدعوة حينئذ سرية، وكانت قريش تُبالغ في تعذيب وأذية من يجهر بإيمانه، وآل ياسر كانوا ممن جهروا بإيمانهم، وبلغ خبر إيمانهم بني مخزوم، فراجعوهم، فلما عرفوا إيمانهم عذبوهم، جروهم إلى صحراء مكة الحارقة بالسلاسل، وانهالوا عليهم بألوان العذاب ولم يردعهم كون سمية امرأة عن بغيهم، ولم توقفهم صلابة إيمانها، ولم يكن بيد المسلمين ما يفعلونه لآل ياسر وغيرهم ممن يعذبون وهم قلة مستضعفون.
وكان رسول الله (ﷺ) يمر بالمؤمنين المعذبين فيدعو لهم، ويمر بآل ياسر فيقول: “صبرًا آل ياسر، فإن موعدكم الجنة”، وهل يبتغي المؤمنون إلا الجنة؟ فيزيدهم قوةً صبرًا. ثم جاء أبو جهل، وهو من سادة بني مخزوم، رأس الكفر وفرعون هذه الأمة، وخاطَب سمية وهددها فأبَت إلا إيمانًا، فغضب أبو جهل وطعنها فماتت، استُشهدت سمية في سبيل الله، لتكون أول من ينال الشهادة في الإسلام.
الفكرة من كتاب نساءٌ حول الرسول
كان لنساء المؤمنين في عصر النبوة دورٌ كبيرٌ في نشر الدعوة ونُصرة الإسلام، سطرن بمواقفهن أسطرًا ذهبيةً وصفحاتٍ مُشرقةً في تاريخه، وهن خيرُ مثال وقدوة للمرأة في كل عصر، ويصحبنا هذا الكتاب لننظر معًا في سير ومواقف بعض النساء اللاتي كنَّ حول رسول الله (ﷺ).
مؤلف كتاب نساءٌ حول الرسول
أحمد الجدع: كاتبٌ وأديب فلسطيني. ولد عام 1941، درس في فلسطين حتى نال شهادة الدراسة الثانوية الأردنية ثم الثانوية العامة على النظام المصري (التوجيهية)، وفي عام 1970 حصل على شهادة الليسانس في اللغة العربية، في جامعة بيروت العربية، وبعدها حصل على دبلوم عام في التربية وعلم النفس من جامعة قطر، وفي عام 1982م حصل على دبلوم خاص في التربية وعلم النفس من الجامعة نفسها.
عمل بالتدريس، وعمل كذلك مديرًا لدار الضياء للنشر والتوزيع، وقد أثرى المكتبة العربية بمؤلفاتٍ في الأدب والتراجم وغيرها، منها: “ألقاب الصحابة: مصادرها وقصصها وأهدافها”، و”صحابياتٌ ومواقف”، و”أبو سفيان بن حرب: من الجاهلية إلى الإسلام”، و”أحمد ديدات: حياته، نشاطه، مناظراته”، و”دواوين الشعر الإسلامي المعاصر – دراسة وتوثيق”.