كيف يثبت التاريخ المعرفة؟
كيف يثبت التاريخ المعرفة؟
قبل الشروع في هذه الجزئية علينا أن ندرك أن القرآن لا يثبت منهجًا معرفيًّا إلا إذا كان هذا المنهج له من قوة البرهان والدلالة ما يكفي ليعتدَّ القرآن به ومنه إثبات المعرفة بالتاريخ.
يشير علماء التاريخ وفلسفة التاريخ إلى نقطة مهمة تعدُّ هي مربط الفرس في هذا الباب، وهي أن التجربة البشرية التاريخية مفضية إلى المعرفة وقاضية بإمكان تحقُّقها تاريخيًّا، غير أن القرآن هنا لا يقر بهذه المنهجية العلمية مطلقًا ولا يخضع كل العلوم والمعارف لسلطانها، إنما هو مقرٌّ بالجزء النقدي والتمحيصي منها القابل للبحث والتفنيد والمراجعة، وهذا هو المنهج ذاته الذي استخدم في إثبات صحة الصحيح من السنة والعمل به.
وهنا يجب التنبيه لجزئية مهمة متعلقة بإثبات التاريخ للمعرفة، أي ما يعرف بـ”التواتر السمعي” الذي دلَّل له المؤرخ “مارك بلوخ” بمثال عندما قال: “لا يمكن الاعتذار مطلقًا على مروية انتصار يوليوس قيصر على بومبي، مهما كان مستندًا في النزاع حولها، تظل هناك قضية لا يمكن زعزعتها، وهي أن يوليوس قيصر وبومبي كانا موجودين”، وهذا ما يعرف بـ”التواتر السمعي” الذي يسكن ويستقر في قلوب الناس كتواتر أخبار شجاعة عنترة وكرم ابن الطائي الذي يجعل بالمقابل استقرار السنة في نفوس المسلمين بهذا الشكل لأجيال وأجيال وتلقيها بالطاعة والقبول أمرًا أكثر واقعية وثبوتًا؛ إذ يشير هذا إلى أن هناك معارف وأخبارًا كامنة ومستقرة في ذاكرة الشعوب الجماعية استقرارًا يصعب معه إنكارها أو القدح في صحتها، فضلًا عن التشكيك في وقوعها من الأساس.
الفكرة من كتاب إمكان التاريخ وواقعية السنة
انطلق الشيخ عبد الله الشهري في هذا الكتاب من التعامل مع التاريخ كشرط وحجة لإمكانية تحقق المعرفة، ثم الانطلاق من هذا الشرط المعرفي لإثبات حجية السنة كظاهرة مخصوصة وضرورية من هذا التحقق التاريخي المعرفي.
كما انطلق من النظرة الكلية إلى التاريخ باستخدام العقل والواقع ودلالات القرآن لتحديد الأطر العامة التي تؤكد تحقُّق المعرفة من التاريخ من جهة، والاشتباك والتماس مع التفاصيل الجزئية التي تؤسس لقضايا هذه الأطر العامة وتثبت إمكاناتها وصحتها من جهة أخرى.
مؤلف كتاب إمكان التاريخ وواقعية السنة
الشيخ والدكتور عبد الله سعيد الشهري: سعودي الجنسية، باحث في علم الاجتماع ومهتم بالملف الفكري، وهو مؤلف ومترجم، وكان قد حصل على درجة الدكتوراه في العلوم الاجتماعية من جامعة لستر، والماجستير في اللغويات التطبيقية من جامعة نوتنغهام في بريطانيا، وبكالوريوس في الشريعة من جامعة الإمام سعود الإسلامية.
إضافةً إلى اشتغاله محاضرًا، عمل مستشارًا إداريًّا في التعلم التنظيمي ومنهج تعليم اللغة الإنجليزية،
وله عدد من المؤلفات والترجمات، ومنها:
ثلاث رسائل في الإلحاد.
آفاق علمية ورؤى نقدية.
المخرج الوحيد.
كما قام بترجمة كلٍّ من كتاب “أحقًّا نريد تغييرًا مستمرًّا؟!”، وكتاب “وهم الشيطان”.