احذر مما يلي
مهما بلغت من المعرفة وامتلكت من الأدوات المعرفية والفكرية فإن احتمال ارتكاب الأخطاء والوقوع في المهاوي وارد، فاعرفها أولًا لتكون على حذر منها: احذر من أن تروي كل ما تسمع بغير تيقُّن أو برهان، ولا تملأ الفراغات الناقصة في الأحداث التي تسمعها أو تُروى لك، فأن تظل ساكتًا خير لك من أن تضيف على الحدث أو القصة، وعلى الجانب الآخر كن ذا فطنة وتأكَّد وتيقَّن مما تقرأ وتسمع قبل أن تحكم أو تتخذ قرارًا متعلقًا بما قرأته أو سمعته.
احذر أيضًا من سطوة الانتشار، فليس شرطًا أن يكون المشاع بين الناس والغالب هو الصحيح، بل إن المنتشر بين الناس هو السطحي والتافه، أما ما يتمتع بالمصداقية وما يتطلَّب قدرًا من التأمل والبحث أقل انتشارًا بالطبع، أيضًا تفوُّق شخص في مجال معين واشتهاره به لا يعني تفوُّقه في كل المجالات، وهذا ما تقوم به للأسف الإعلانات، حيث تستغل شخصية معروفة في الترويج عن منتجها، فهي بذلك تجبر الجمهور على الشراء بحجة أن المشهور الفلاني يستعمله، معمِّمة بذلك تجربته الشخصية التي قد تكون مبنية على تجربة حقيقية من قِبله ومعرفة بالمنتج وقد لا تكون، معتمدة على الهالة التي نسجتها شهرته في مجال ما حوله.
أيضًا عليك أن تحذر من التحيز، وهو كما يعرِّفه الكاتب بمثابة امتلاك المرء لمجموعة من المفاهيم والقيم التي تدفعه إلى إصدار الأحكام ووقوف المواقف المنسجمة معها بعيدًا عن الواقع وبعيدًا عما تقضي به التجربة الناجزة، والإسلام قد وضع معيارًا ضابطًا لأن قضية التحيز موجودة في تركيب الإنسان سواء للحق أو القبيلة أو الأفكار الشخصية، إلا أن الإسلام وجَّهها جاعلًا المعيار المعتبر هو التقوى، وعلى الصعيد الآخر فتح مساحة واسعة لاختلاف الأذواق لأجل إثراء الحياة البشرية، وهذا يقودنا إلى أهمية الانفتاح على الثقافات المختلفة عنا، لأن ذلك يدفعنا إلى المقارنة قطعًا ورؤية نماذج حياتية مغايرة لحياتنا التي نظن أنها النموذج الأفضل الذي يجب على الجميع تبنِّيه، أيضًا مما يزيد من التحيز لدينا القولبة أو التنميط الذي نصنعه داخل أدمغتنا للناس، كقولنا: إن الشعب الفلاني متعصِّب لجنسه، بناء على وجود فئة أو عدد منهم متعصِّب بالفعل فدفعنا ذلك إلى الحكم عليهم جميعًا، ومن العجيب أن تجد حديثًا عن رسول الله يحذِّر من هذا فيقول (صلى الله عليه وسلم): “إن أعظم الناس عند الله فِرية لَرَجُل هاجى رجلًا فهجا القبيلة بأسرها…”.
الفكرة من كتاب تكوين المفكر: خطوات عملية
من حقك أن تفكر وتُعمِل عقلك وتكتشف الكون من حولك، لكن عليك أولًا أن تفهم نفسك وأن تفهم مرادك وأن تفهم الواقع من حولك، عليك قبل أن تقتحمه أن تعرفه، وأن تتسلَّح بالأدوات اللازمة له، فلست وحدك في أرض السباق، حولك كُثُر منهم من يفكر ومنهم من يُصلح ومنهم من يجادل ومنهم من يتأمل، وهذا الكتاب بمثابة البوابة والمقدمة التي تفتح عينيك على هذا العالم.
مؤلف كتاب تكوين المفكر: خطوات عملية
الدكتور عبد الكريم بن محمد الحسن بكَّار: أحد المؤلفين البارزين في مجال التربية والدعوة والفكر الإسلامي، كتاباته تلقى رواجًا بين جموع الشباب حيث تتمتَّع بالسهولة والشمولية في الطرح، قدَّم برنامجًا تلفزيونيًّا بعنوان “دروب النهضة”، وبرنامجين إذاعيين أحدهما بعنوان “بناء العقل في القرآن الكريم”، وآخر بعنوان “العلاقات الإنسانية في المجتمع الإسلامي”، وله العديد من المؤلفات في مختلف المجالات ومنها:
العيش في الزمان الصعب.
مسار الأسرة.
من أجل انطلاقة حضارية شاملة.