النور بعد المنعطف!
النور بعد المنعطف!
بعد الاستسلام للحياة عن سابق إصرار وترصد لله وحده، والتأكيد على قدرة الصلاة الطيبة على جعلنا أكثر فاعلية، نذكر النبي الكريم لأول مرة في الصلاة، وهو الذي نصلي وفق هديه وسنته، هذا الذكر الذي سمعناه لآخر مرة حين نودي إلى الصلاة يدفعنا للتساؤل: لماذا الآن في آخرها وليس في أية لحظة سابقة؟
إن كل أركان الصلاة، من القيام والركوع والسجود، موجهة إلى الله -عز وجل- وحده، وأي ذكر مبكر للنبي في رأي الكاتب كان سيورث خللًا في إطار العلاقة بين العبد وربه؛ ذلك الخلط الذي وقعت فيه كل الأديان السابقة وأدى إلى ما أدى إليه من تحريف، فكان لزامًا على الدين الخاتم أن يضع له حدًّا فاصلًا، وقد حذر النبي الكريم من هذا الغلو الذي يحول الشخصية من قدوة تعلم الآخرين وترشدهم إلى أيقونة مقدسة تمنع أي تفاعل بين القدوة والمقتدي.
وهذا الذكر يأتي في وضعية هي أمثل ما يكون، عند الجلوس قرب النهاية، ليس فيها قيام ولا ركوعٌ أو سجودٌ أو أي مظهر من مظاهر التقديس، إنما جِلسَة أشبه ما تكون بجِلسَة التلميذ بين يدي معلمه، كأننا جلوس بين يدي معلمنا الأول نتلقى منه الحكمة على أرض واحدة، ولنتعلم منه ما يجب أن نفعله، ربما ليس في شكل أجوبة جاهزة انتهى زمانها، لكنها جلسة للتعلم الحقيقي.
هذا الذكر أيضًا بعد الصلوات والطيبات، ينزل هذه المعاني ويربطها بوجود إنساني وبشخص استطاع تجسيدَ تلك المعاني؛ إن الحديث عن الحياة الطيبة والنهضة والخروج من النقطة صفر، دون التدليل عليه بمثال إنساني، لن يعدو أن يكون إنشاءً بيانيًّا أو نظرية يُحتَمَل تطبيقها أو فشلها، شيئًا قد يكون أو لا يكون، ما لم نعلم أن إنسانًا قد نجح في أدائه، والنبي الخاتم لم ينجح في ذلك فقط، بل نجح فيه من الصفر إلى الحد الأقصى؛ فأوصل الأمة من العدم إلى القمة، وهو ما لم يصل إليه نبي قبله، كيف لا وهو خاتمهم؟
الفكرة من كتاب سدرة المنتهى.. حجر النهضة: منصة الانطلاق
ها قد وصلتَ إلى ختام الصلاة وجلستَ لتتلوَ التشهد الأخير، كم استغرق الأمر منك؟ خمس دقائق، عشر، عشرين؟ ليس بالوقت الكثير لكن أثره عظيم.
التأمل في الجمل المكونة للتحيات يفتح لنا آفاقًا واسعة، عن الحياة الطيبة والخير والبركة، عن النبي وآله، عن أنفسنا وكهوفها المظلمة التي نرجو إضاءتها، إنها المحطة الأخيرة قبل الانطلاق.
مؤلف كتاب سدرة المنتهى.. حجر النهضة: منصة الانطلاق
الدكتور أحمد خيري العمري، طبيب أسنان وكاتب عراقي مهتم بسؤال النهضة المعتمد على الجذور القرآنية، له عدة مؤلفات أهمها “البوصلة القرآنية”، “سيرة خليفة قادم” و”استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة”، وغيرها.