تطلَّع إلى الأفضل
تطلَّع إلى الأفضل
رغم خوف هيم وتملُّك إحساس الخطر منه ظل يذكِّر نفسه بأنه لا ينبغي تصديق كل ما يفكِّر به، أما هوب فكانت مدركة تمامًا لكل ما يدور في خلد القزم الخائف، استمر كلاهما في المشي مستكشفين جميع الغرف المغلقة، حتى وصلا إلى غرفة تفحَّصها هيم سريعًا وقال إنها فارغة، لكن الفتاة لم تقتنع وأخذت يده لتتفقَّد أركانها، فسارا بمحاذاة الجدار حتى شعرا بهواء بارد منعش قادم من فتحة صغيرة أسفل الجدار، تكفي لمرور كلٍّ منهما منفردًا.
تقدمت هوب بإشارة من هيم لتدخل الفتحة وهو من بعدها، وإذا بنفق طويل زحفا خلاله حتى بدا لهما في نهايته ضوء بات يتسع رويدًا رويدًا حتى وصلا إلى نهايته، فإذا هما في مرج أخضر واسع طيب الرائحة سقفه مرتفع شديد الزرقة، في رحاب المنظر البديع لم يستطع صديقنا الكلام، فقط أحسَّ بورقة في جيبه، تناولها ليجد فيها الحقائق التي أقرَّها أول الأمر، تلك المعتقدات البالية التي بدت له كحقائق ملزمة لم تكن كذلك في الواقع، فقد أدرك في تلك اللحظة حين استنشق الهواء أن خروجه من المتاهة هو دليل تحرُّره، وأن نجاته لم تكن لولا الممرات التي خاف منها، والتفاح قد أكله وأحب طعمه بعدما ظن أنه لا يأكل إلا الجبن، كذلك رحلته أعانه فيها وجود هوب، فطوى الورقة ودوَّن على ظهرها ما اكتشفه خلال الأيام الماضية.
ماذا عن أصدقاء هيم السابقين؟ قرَّر هيم وهوب الذهاب للبحث عنهم، لكن هاو ظهر فجأة مناديًا على صديقه هيم واتجه نحوه بخفَّة واشتياق، دار بينهما الحديث والتهاني، وتعرف هاو على هوب، وأقروا جميعًا بقوة المعتقدات وتأثيرها، ثم انطلقوا ليستكشفوا العالم ويواجهوه بمهاراتهم الجديدة.
الفكرة من كتاب الخروج من المتاهة
“من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟”، هل تتذكَّر قارئنا هذا العنوان أم تظنه سؤالًا مجردًا؟ الحقيقة أنه كتاب تناولناه سابقًا، وربما قد قرأته شخصيًّا من قبل، وفي لمحة موجزة نذكِّرك بفكرته الأساسية المتحدثة عن الاستعداد للتغيير وتقبُّله وتوقع حدوثه بدلًا من الخوف غير المبرَّر، هذا التغيير هو الضرورة التي تستقيم بها الحياة، وتلك الغاية التي سعى الكتاب لإثباتها بقصَّته الرمزية الموجزة، لكنه أغفل بعض النقاط المؤثرة في قرار التغيير، فجاء كتاب “الخروج من المتاهة” ليكون تتمَّة القصة، موضحًا فيه تأثير المعتقد في الأفكار والسلوك وكيفية ارتباطه بالنتائج المراد تحقيقها.
وبما أن الشخصيات هي المحرك الأساسي في القصة فوجب علينا استحضارها، هناك الفأران “سنيف” و”سكوري” والقزمان “هيم” و”هاو”، يعيشون في متاهة يتوافر الجبن في أحد ممراتها بكثرة، ولأنهم اعتادوا مكانه وعمدوا إلى الراحة فإن انتهاء مخزونه كان محرِّكهم اللازم للبحث والسعي في اتجاه جديد.
بدأ الفأران بالبحث لتدارك الأزمة فور نشوبها كأمر غريزي، أما الأقزام فقد لزمهما الوقت ودارت بينهما الأحاديث وحلَّ بينهما الخلاف الفكري الناتج عن تنوُّع الشخصيات والمعتقدات، خلص “هاو” للبحث بعد أن فهم الغاية وقرَّر الرحيل، أما “هيم” فظل مكانه متعاجزًا ينتظر حلًّا إلهيًّا، رافضًا كل محاولات صديقه لإقناعه، فاستمر به الحال وحيدًا جائعًا حتى مجيء الجزء الثاني من القصة، وها نحن نشاطره رحلته في هذا الجزء لنرى مصيره ونلتمس من قصته العبر.
مؤلف كتاب الخروج من المتاهة
سبنسر جونسون: ولد الطبيب والمحاضر والكاتب الأمريكي عام 1938، نال درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عام 1963، ودرجة الدكتوراه في الطب من الكلية الملكية للجراحين، كذلك حصل على تدريب طبي في كلية الطب بجامعة هارفارد ومايو كلينك، ترك جونسون مهنته كطبيب وتوجَّه إلى كتابة قصص الأطفال والكتب التحفيزية، وحقَّق نجاحًا باهرًا، فتمَّت طباعة أكثر من ستة وأربعين مليون نسخة من كتبه في جميع أنحاء العالم بأكثر من سبع وأربعين لغة، نذكر منها: كتاب “من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟” المصنَّف في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا، و”نعم أو لا: الدليل لقرارات أفضل (1992)”، و”الهدية”، وقد فارق الدنيا عام 2017.