جدِّد إيمانك
جدِّد إيمانك
هكذا أدرك هيم أن الأفكار قابلة للتغيير، وأن المعتقدات القديمة تتغير لتواكب الظروف والمتطلبات الجديدة بما لا يؤثر في هوية الفرد وبنائه، أما التشبُّث بالآراء البالية ورفض إعادة النظر في الأمور، فهذا نتاج الضعف والخوف، هنا اشتعل حماس القزم، وصار يفكر بما يجب فعله فقد قام هو وهوب بالبحث والسعي بشتى الطرق فعلًا! إذًا يجب عليه الخلاص من فكرة ما تقيِّده، بل يجب عليه أولًا التحرر من قيود المستحيل، “فلا حدود لما تستطيع أن تؤمن به”.
بعد الفجر بساعات عادت هوب لتجد الملاحظات المدوَّنة على الحائط وهيم مستيقظ نشط في حال مختلف عما كان عليه من إحباط، فسألته عن سبب ما يحدث ليجيبها بأنه غيَّر رأيه، ورغم جهله بطبيعة الرأي الجديد والخطوات التالية فقد عقد العزم.
بدأت هوب بتوجيه أسئلة منطقية غابت عن ذهن القزم وصديقه، فلقد كان شغلهما الشاغل البحث عن القوت، لم يفكرا في مصدر الجبن أصلًا، ولِمَ اختفى؟ ماذا يوجد في خارج المتاهة؟ في بداية الأمر شعر هيم بالتوتر والضيق من الأسئلة، وعجز حتى عن تخيُّل إجابتها، حتى تذكر أن الإيمان بالأفكار وتصديقها يجعلها ممكنة، فأغمض عينيه وراح يتخيَّل ما يمكن وجوده في الخارج، أخبرها حينئذٍ كيف تجنَّب هو وهيم مسبقًا اكتشاف الممرات أو الأماكن المظلمة والمسدودة من المتاهة، هنا أدركت هوب أن هذه الأماكن المجهولة أحق بالاستكشاف، فتخلَّص هيم من حقيبته الثقيلة، وتأهَّب كلٌّ منهما للانطلاق في الممرات المظلمة.
الفكرة من كتاب الخروج من المتاهة
“من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟”، هل تتذكَّر قارئنا هذا العنوان أم تظنه سؤالًا مجردًا؟ الحقيقة أنه كتاب تناولناه سابقًا، وربما قد قرأته شخصيًّا من قبل، وفي لمحة موجزة نذكِّرك بفكرته الأساسية المتحدثة عن الاستعداد للتغيير وتقبُّله وتوقع حدوثه بدلًا من الخوف غير المبرَّر، هذا التغيير هو الضرورة التي تستقيم بها الحياة، وتلك الغاية التي سعى الكتاب لإثباتها بقصَّته الرمزية الموجزة، لكنه أغفل بعض النقاط المؤثرة في قرار التغيير، فجاء كتاب “الخروج من المتاهة” ليكون تتمَّة القصة، موضحًا فيه تأثير المعتقد في الأفكار والسلوك وكيفية ارتباطه بالنتائج المراد تحقيقها.
وبما أن الشخصيات هي المحرك الأساسي في القصة فوجب علينا استحضارها، هناك الفأران “سنيف” و”سكوري” والقزمان “هيم” و”هاو”، يعيشون في متاهة يتوافر الجبن في أحد ممراتها بكثرة، ولأنهم اعتادوا مكانه وعمدوا إلى الراحة فإن انتهاء مخزونه كان محرِّكهم اللازم للبحث والسعي في اتجاه جديد.
بدأ الفأران بالبحث لتدارك الأزمة فور نشوبها كأمر غريزي، أما الأقزام فقد لزمهما الوقت ودارت بينهما الأحاديث وحلَّ بينهما الخلاف الفكري الناتج عن تنوُّع الشخصيات والمعتقدات، خلص “هاو” للبحث بعد أن فهم الغاية وقرَّر الرحيل، أما “هيم” فظل مكانه متعاجزًا ينتظر حلًّا إلهيًّا، رافضًا كل محاولات صديقه لإقناعه، فاستمر به الحال وحيدًا جائعًا حتى مجيء الجزء الثاني من القصة، وها نحن نشاطره رحلته في هذا الجزء لنرى مصيره ونلتمس من قصته العبر.
مؤلف كتاب الخروج من المتاهة
سبنسر جونسون: ولد الطبيب والمحاضر والكاتب الأمريكي عام 1938، نال درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عام 1963، ودرجة الدكتوراه في الطب من الكلية الملكية للجراحين، كذلك حصل على تدريب طبي في كلية الطب بجامعة هارفارد ومايو كلينك، ترك جونسون مهنته كطبيب وتوجَّه إلى كتابة قصص الأطفال والكتب التحفيزية، وحقَّق نجاحًا باهرًا، فتمَّت طباعة أكثر من ستة وأربعين مليون نسخة من كتبه في جميع أنحاء العالم بأكثر من سبع وأربعين لغة، نذكر منها: كتاب “من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟” المصنَّف في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا، و”نعم أو لا: الدليل لقرارات أفضل (1992)”، و”الهدية”، وقد فارق الدنيا عام 2017.