التجربة قبل الحكم
التجربة قبل الحكم
لم يتمكَّن من فهم المغزى المقصود، فاستسلم للنوم في أحد الأركان، وعند استيقاظه وجد شيئًا أقرب إلى الصخور، أملس أحمر اللون وطيب الرائحة، نظر حوله فإذا بفتاة غريبة تقدِّم له هذا الشيء ليأكله، لكنه رفض تخوُّفًا منه، فهو لم يعتد إلا أكل الجبن، وراح يسألها عن الجبن لكنها لم ترَه قط، استمر هكذا حتى خارت قواه واضطر إلى أكله وهو يظن كل الظن أنه سيموت لا محالة، ثم عاد ليغطَّ في نوم هانئ لأول مرة.
فور استيقاظه وجد أنه لم يمُت، بل أصبح في حال أفضل، ووجد الفتاة تعرف عن نفسها، وتقدم له الصخرة الحمراء الأخيرة التي تأكلها، تبيَّن له أنها فاكهة التفاح، وأن الفتاة المدعوَّة “هوب” قدمت إليه قطعتها الأخيرة رأفةً بحاله رغم جوعها، لأنها أيضًا عانت شحَّ الغذاء فأخذت تسير في المتاهة بحثًا عن القوت، هكذا أقر هيم تقصيره وأعلن عودته إلى البحث لكن هذه المرة بمشاركة “هوب”.
لفتت عبارة هاو المدوَّنة على الجدار أنظار هوب وهيم مرة أخرى، فأعرب القزم عن رفضه لها، وأن كل ما يقود إلى الجبن الجديد هو المحاولة المستمرة ليس إلا، ثم حمل حقيبة أدواته الثقيلة وانطلقا، تحدث هيم خلال المسير عن حياته السابقة الهانئة والمستقرة ثم صمت، حمله الصمت على تذكر كيف كان ذا شأن وثقة تُخضِع الآخرين وتحملهم على تعظيمه، فلم يظن مسبقًا ولو للحظة في أفكاره ونظرته إلى الأمور، لكن كل تلك القوة والثقة انتهت بانتهاء الجبن.
الفكرة من كتاب الخروج من المتاهة
“من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟”، هل تتذكَّر قارئنا هذا العنوان أم تظنه سؤالًا مجردًا؟ الحقيقة أنه كتاب تناولناه سابقًا، وربما قد قرأته شخصيًّا من قبل، وفي لمحة موجزة نذكِّرك بفكرته الأساسية المتحدثة عن الاستعداد للتغيير وتقبُّله وتوقع حدوثه بدلًا من الخوف غير المبرَّر، هذا التغيير هو الضرورة التي تستقيم بها الحياة، وتلك الغاية التي سعى الكتاب لإثباتها بقصَّته الرمزية الموجزة، لكنه أغفل بعض النقاط المؤثرة في قرار التغيير، فجاء كتاب “الخروج من المتاهة” ليكون تتمَّة القصة، موضحًا فيه تأثير المعتقد في الأفكار والسلوك وكيفية ارتباطه بالنتائج المراد تحقيقها.
وبما أن الشخصيات هي المحرك الأساسي في القصة فوجب علينا استحضارها، هناك الفأران “سنيف” و”سكوري” والقزمان “هيم” و”هاو”، يعيشون في متاهة يتوافر الجبن في أحد ممراتها بكثرة، ولأنهم اعتادوا مكانه وعمدوا إلى الراحة فإن انتهاء مخزونه كان محرِّكهم اللازم للبحث والسعي في اتجاه جديد.
بدأ الفأران بالبحث لتدارك الأزمة فور نشوبها كأمر غريزي، أما الأقزام فقد لزمهما الوقت ودارت بينهما الأحاديث وحلَّ بينهما الخلاف الفكري الناتج عن تنوُّع الشخصيات والمعتقدات، خلص “هاو” للبحث بعد أن فهم الغاية وقرَّر الرحيل، أما “هيم” فظل مكانه متعاجزًا ينتظر حلًّا إلهيًّا، رافضًا كل محاولات صديقه لإقناعه، فاستمر به الحال وحيدًا جائعًا حتى مجيء الجزء الثاني من القصة، وها نحن نشاطره رحلته في هذا الجزء لنرى مصيره ونلتمس من قصته العبر.
مؤلف كتاب الخروج من المتاهة
سبنسر جونسون: ولد الطبيب والمحاضر والكاتب الأمريكي عام 1938، نال درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عام 1963، ودرجة الدكتوراه في الطب من الكلية الملكية للجراحين، كذلك حصل على تدريب طبي في كلية الطب بجامعة هارفارد ومايو كلينك، ترك جونسون مهنته كطبيب وتوجَّه إلى كتابة قصص الأطفال والكتب التحفيزية، وحقَّق نجاحًا باهرًا، فتمَّت طباعة أكثر من ستة وأربعين مليون نسخة من كتبه في جميع أنحاء العالم بأكثر من سبع وأربعين لغة، نذكر منها: كتاب “من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟” المصنَّف في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا، و”نعم أو لا: الدليل لقرارات أفضل (1992)”، و”الهدية”، وقد فارق الدنيا عام 2017.