وقفة مع الذات
وقفة مع الذات
تتذكَّرون القزم هاو؟ تكلَّلت جهوده في البحث عن الغذاء بالعثور على جبن جديد عاد به إلى صديقه البائس كي يحفِّزه على السعي ومشاركته الطريق، لكن “هيم” رفض أكله متحجِّجًا باختلاف طعمه عن الجبن الذي اعتاده، حينها رحل “هاو” للمرة الأخيرة إلى وجهة مجهولة تاركًا “هيم” في وحدته وأفكاره، ظل هيم منتظرًا خروج جبنه من العدم، يصارع فكرة رحيل هاو وينتظر عودته، وكلما طالت مدة غيابه نازعته أفكار مأساوية عن أسباب رحيله، هل هي كراهية أم ماذا؟ ثم تسرَّب القلق في نفسه على صديقه المختفي، تطوَّر به الصراع والجوع حتى انتهى إلى سؤال واحد: “لماذا لم أذهب مع هاو؟”.
لم يتبقَّ لدى هيم سوى النهوض والبحث عن صديقه والجبن بعد إدراكه أن الحياة تتوقَّف على سعيه وأنها ليست بالأمر السهل، بل هي مشقَّة لا مفرَّ منها، فنفض الغبار عن حذائه وأدوات الحفر، ورتَّب بعض الحقائق في ورقة، واشتملت تلك الحقائق على أن المتاهة مكان خطر لا ينبغي المخاطرة فيه، وأن الموت مصيره إن لم يأكل الجبن، وأخيرًا أن الرحلة مسؤوليته وحده، ثم انطلق القزم بين ممرَّات المتاهة الفارغة متجنِّبًا الغرف والطرق المظلمة، كل ما يفكر فيه هو العثور على الجبن، استمر في الركض والبحث دون جدوى، فبدأ اليأس يتمكَّن منه مع شعور بالذنب يقتله، فضلًا عن كثرة التفكير السلبي، حتى وجد ملاحظة دونها صدقه على الجدار محاطة بصورة جبن، جاء فيها: “المعتقدات القديمة لا تقودك إلى جبن جديد”.
الفكرة من كتاب الخروج من المتاهة
“من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟”، هل تتذكَّر قارئنا هذا العنوان أم تظنه سؤالًا مجردًا؟ الحقيقة أنه كتاب تناولناه سابقًا، وربما قد قرأته شخصيًّا من قبل، وفي لمحة موجزة نذكِّرك بفكرته الأساسية المتحدثة عن الاستعداد للتغيير وتقبُّله وتوقع حدوثه بدلًا من الخوف غير المبرَّر، هذا التغيير هو الضرورة التي تستقيم بها الحياة، وتلك الغاية التي سعى الكتاب لإثباتها بقصَّته الرمزية الموجزة، لكنه أغفل بعض النقاط المؤثرة في قرار التغيير، فجاء كتاب “الخروج من المتاهة” ليكون تتمَّة القصة، موضحًا فيه تأثير المعتقد في الأفكار والسلوك وكيفية ارتباطه بالنتائج المراد تحقيقها.
وبما أن الشخصيات هي المحرك الأساسي في القصة فوجب علينا استحضارها، هناك الفأران “سنيف” و”سكوري” والقزمان “هيم” و”هاو”، يعيشون في متاهة يتوافر الجبن في أحد ممراتها بكثرة، ولأنهم اعتادوا مكانه وعمدوا إلى الراحة فإن انتهاء مخزونه كان محرِّكهم اللازم للبحث والسعي في اتجاه جديد.
بدأ الفأران بالبحث لتدارك الأزمة فور نشوبها كأمر غريزي، أما الأقزام فقد لزمهما الوقت ودارت بينهما الأحاديث وحلَّ بينهما الخلاف الفكري الناتج عن تنوُّع الشخصيات والمعتقدات، خلص “هاو” للبحث بعد أن فهم الغاية وقرَّر الرحيل، أما “هيم” فظل مكانه متعاجزًا ينتظر حلًّا إلهيًّا، رافضًا كل محاولات صديقه لإقناعه، فاستمر به الحال وحيدًا جائعًا حتى مجيء الجزء الثاني من القصة، وها نحن نشاطره رحلته في هذا الجزء لنرى مصيره ونلتمس من قصته العبر.
مؤلف كتاب الخروج من المتاهة
سبنسر جونسون: ولد الطبيب والمحاضر والكاتب الأمريكي عام 1938، نال درجة البكالوريوس في علم النفس من جامعة كاليفورنيا الجنوبية عام 1963، ودرجة الدكتوراه في الطب من الكلية الملكية للجراحين، كذلك حصل على تدريب طبي في كلية الطب بجامعة هارفارد ومايو كلينك، ترك جونسون مهنته كطبيب وتوجَّه إلى كتابة قصص الأطفال والكتب التحفيزية، وحقَّق نجاحًا باهرًا، فتمَّت طباعة أكثر من ستة وأربعين مليون نسخة من كتبه في جميع أنحاء العالم بأكثر من سبع وأربعين لغة، نذكر منها: كتاب “من حرَّك قطعة الجبن الخاصة بي؟” المصنَّف في قائمة نيويورك تايمز لأكثر الكتب مبيعًا، و”نعم أو لا: الدليل لقرارات أفضل (1992)”، و”الهدية”، وقد فارق الدنيا عام 2017.