الاتجاه نحو أسلوب الكينونة
الاتجاه نحو أسلوب الكينونة
يزعم البعض أن أسلوب التملك مغروس في الطبيعة البشرية ومن ثمَّ يستحيل تغييره عمليًّا، وبالتالي تم ترسيخ عقيدة مفادها أن الناس بطبعهم كسالى وسلبيون، فلا يرغبون في العمل أو الفعل إلا إذا كانوا مدفوعين بحافز الربح المادي أو ضغط الخوف من العقاب أو الجوع، يريدون من وراء ذلك إثبات أن أسلوب التملك يتفق مع طبيعة الإنسان وينسجم معها، مظهرين صفات الأنانية والحقد والجشع والاكتناز كصفات فطريقة متأصلة في الطبيعة الإنسانية، وفي الحقيقة فإن هذا الزعم لا دليل عليه، لأنه قد وجدت في الماضي مجتمعات قامت ضد أسلوب التملك، واعتمدت أسلوب الكينونة.
فيرى فروم أن الإنسان هو نتاج طبقته الاجتماعية والطائفة التي ينتمي إليها والنظام الذي يخضع له والعادات والتقاليد التي يمتثل لها والبيئة التي يعيش فيها، وبالتالي فإن الإنسان هو نتاج المجتمع الذي يعيش فيه وشخصيته شخصية اجتماعية، وبناءً على ذلك فالبشر يتوافر لديهم استعداد كامن ليعيشوا وفق أسلوب الكينونة أو أسلوب التملك، وذلك حسب طبيعة المجتمع الذي يعيشون فيه، وعلينا أن نقرر أيًّا من الأسلوبين نختار ومن ثمَّ نرعاه وننمِّيه، وأيًّا منهما يجب أن نرفضه ونتجاوزه، فإن كان المجتمع يقوم على أسلوب التملُّك تجلَّى ذلك في سلوك البشر الذين يشكِّلون هذا المجتمع فنرى حب الاقتناء والجشع والأنانية، وإن كان المجتمع يقوم على أسلوب الكينونة وجدنا انعكاس ذلك في سلوك الأفراد من خلال المشاركة والعطاء والتعاون والتضحية من أجل الآخرين، ما يعني أنه داخل الإنسان رغبة كامنة ومتأصلة نحو أسلوب الكينونة تحتاج فقط إلى تحفيزها، وبالتالي فإنه بتحفيز الصفات المكونة لأسلوب الكينونة تتقلص الصفات المكونة لأسلوب التملك، والعكس صحيح، ولكن نظامنا الاقتصادي يمنع الناس من ممارسة حقهم في المشاركة والتعاون والعطاء والتضحية، مروجًا للأنانية والجشع والاقتناء!
الفكرة من كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
المجتمع عند فروم يتصارعه نمطان للعيش في هذه الحياة، نمط يقوم على “التملك” حيث الاستهلاك والاكتناز والرغبة في الاستحواذ وامتلاك الأشياء، وكذلك الرغبة في الشهرة والسلطة التي تحقق السيطرة على الآخرين، هذا النمط الذي يجعل الإنسان (ناقص الإنسانية)، ونمط آخر هو نمط “الكينونة” والوجود حيث اهتمام الإنسان بعلاقته مع البشر والارتقاء أخلاقيًّا وروحيًّا لتحقيق (كمال الإنسانية)، ومجتمعاتنا المعاصرة يهيمن عليها نمط التملك، ما يعني أن هناك كارثة تحيق بالإنسان تدفعه نحو الهاوية نفسيًّا وبيئيًّا، وأن البديل الوحيد لتجنُّب الكارثة وعدم السقوط في الهاوية هو العيش وفق “نمط الكينونة”.
مؤلف كتاب الإنسان بين الجوهر والمظهر
إريك فروم ، هو عالم نفس وفيلسوف وناقد اجتماعي ألماني، تعلم في جامعتي هيدلبرج وميونيخ، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة هيدلبرج عام 1922 في علم النفس، وهاجر إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعد صعود النازيين إلى السلطة في ألمانيا، واشتغل في التدريس في الولايات المتحدة والمكسيك، له عدة مؤلفات، منها: “الإنسان بين الجوهر والمظهر”، و”الخوف من الحرية”، و”كينونة الإنسان”.