الأخضر المتعبِّد
الأخضر المتعبِّد
سبحان من حبَّبَ اللون الأخضر البهيج إلينا، مساحات شاسعة من الأشجار والنخيل والزرع تستطيع أن تجلس أمامها أيامًا تتأمَّل فيها ولا تمل، تلك مشاهد لا يختلف عليها اثنان في روعتها وبهجتها واستحسان الناظرين إليها، تلك مشاهد دوِّنت برِيش اللوحات، وسُطِّرت في صفحات المعارِض، تلك مشاهد تنبت في أرض واحدة وتسقى بماء واحد وتختلف في طَلعِها ولونها وأُكلِها، ولكنها كما تشترك في التربة والرَّيِّ فإنها تشترك معنا أيضًا في العبودية.
من صور عبودية تلك الكائنات الخضراء البهيجة أنها تتعبَّد لله بالسجود، يقول ابن كثير: “وأما الجبال والشجر فسجودهما بفيء ظلالهما عن اليمين والشمائل”، وأيضًا تتعبَّد لله في موسم الحج والعمرة بمشاركة الملبِّين التلبية، بل وتسمع الأذان وتشهد للمؤذن، وفي ذلك يقول أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: “إذا كنت في البوادي فارفع صوتك بالأذان فإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم يقول): لا يسمعه جن ولا إنس ولا شجر ولا حجر إلا شهد له”.
وعبودية الشجر متجذِّرة منذ القدم، فهي أصيلة في العبودية منذ إيمانها بالنبي (صلى الله عليه وسلم) وانقيادها له وتسلميها عليه، ومن ذلك أنه (صلى الله عليه وسلم) عندما بُعِث كان لا يمر بجبل أو شجر إلا سلَّم عليه، وفي ذلك يقول علي بن طالب (رضي الله عنه): “فما استقبله جبل ولا شجر إلا وهو يقول: السلام عليك يا رسول الله”، بل وكان الشجر مواسيًا معزِّيًا له (صلى الله عليه وسلم) حين أذاه أهل مكة وضربوه وأدموه (صلى الله عليه وسلم)، فجاءه جبريل فشكا له رسول الله ما فعلوه، فقال له جبريل (عليه السلام): أتحب أن أريك آية؟ قال: نعم، أرني، فنظر إلى شجرة من وراء الوادي، قال جبريل: ادع تلك الشجرة، فدعاها، فجاءت تمشي حتى قامت بين يديه (صلى الله عليه وسلم)، قال جبريل: قل لها فلترجع، فقال لها، فرجعت حتى عادت إلى مكانها، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): “حَسبي”.
وللشجر مواقف عديدة مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فمنها أيضًا أنه كان (صلى الله عليه وسلم) يأمره فيستتر به عند قضاء حاجته، وحين ينتهي يأمره فينصرف عنه، ولا يخفى علينا حنين الجذع للنبي (صلى الله عليه وسلم) عندما تركه ليخطب على منبره الجديد حيث صاح ولم يسكن إلا عندما نزل إليه النبي فضمَّه ووضع عليه يده فسكت!
وصدق الحسن (رحمه الله) حين قال: “يا معشر المسلمين! الخشبة تحنُّ إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) شوقًا إلى لقائه فأنتم أحق أن تشتاقوا إليه”.
الفكرة من كتاب عبودية الكون والكائنات
تحتاج بين فترة وأخرى أن تُنعِش قلبك كما يفعل أهل الطب في غرف الإنعاش، نعم تحتاج إلى تلك الانتفاضة، ولا يأتي بها إلا التفكُّر والتدبُّر في هذا الكون وفي نفسك وفي كتاب ربك، فكن جريئًا في اقتحام الكون وكن جريئًا في الإقبال على القرآن، وهناك العديد من الوسائل التي تعينك على ذلك، منها هذا الكتاب ذو اللهجة البسيطة والمعاني العميقة.
مؤلف كتاب عبودية الكون والكائنات
وجدان العلي، هو أديب وطالب علم، تتلمذ على أيدي طائفة من علماء الشريعة واللغة العربية والأدب، يعمل في مجال الدعوة إلى الله، وله العديد من البرامج منها: “نوري”.
ومن مؤلفاته:
صادق بكة.
ظل النَّديم.
مؤيد عبد الفتاح حمدان، له العديد من المؤلفات في المجال الشرعي، ومن أبرزها:
أوراد أهل السنة والجماعة.
القرآن الصاحب الوفي.