لست وحدك!
لست وحدك!
لا تحسب أنك وحدك تدور في فلك الدنيا أو أنها تقوم عليك وحدك، ألم تُعمل عقلك وتتدبَّر! ألم تر ما حولك من جبال وشجر ودواب وحشرات! هل فَطِنت إلى شيء بعد هذا التفكر؟
تعال سأخبرك بسر: إنَّ هذه المخلوقات التي تراها والتي لا تراها صغيرها وكبيرها، ما تظنه جمادًا منها وما تظنه ذا روح كلها تعقل! نعم تعقل، نحن لا نعلم الكيفية إلا أنه بالخبر الصادق والمشاهدة والملاحظة تبيَّن أنها تعقل بما يتناسب مع معيشتها.
يقول الله تبارك وتعالى: ﴿إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا﴾، إذ إن كان كل ما عدا الإنسان ميت لا يعقل، فكيف يعرض الملك سبحانه الحكيم في فعله أمر الأمانة على السماوات والأرض والجبال؟ بل سبحانه لم يعرضها فقط لكنه عرضها فَوَعت وأدركت تلك المخلوقات عواقب حمل تلك الأمانة والتزام التكاليف فأشفقت من حملها وخافت من العاقبة إن قصرت في ذلك، وهل تدرك السماوات والأرض والجبال فقط؟ بل وتنطق أيضًا؛ يقول المولى (عز وجل): ﴿ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ﴾، ألم أقل لك اصطحب كونك المسطور وأنت تتفكر في الكون المنظور، صدقني سترى عجبًا!
كل مخلوق خلقه الله مدَّه بعقل يسيِّر به معاشه ويتعبَّد لله به، وبما أن له عقلًا إذًا فهو مخلوق حي يمتلك إدراكًا وبعضه له لغة خاصة لا نفهمها، بل وأكثر من ذلك فهو يمتلك عاطفة وله مشاعر، لتدرك ذلك استمع لحديث الهدهد مع سليمان (عليه السلام) وانتبه لنبرة الاستنكار في صوته وكيف أنه يتعجَّب من قوم بلقيس كيف لهم أن يعبدوا مخلوقًا مثله وهي الشمس دون الله (عز وجل)!
دعك من الهدهد، ألم تسمع تنبيه النملة لقومها قبل أن تطأها أقدام جيش سليمان وجنوده!
ألم تر بعين قلبك جهنم وهي يتطاير شررها غضبًا وحنقًا تطلب المزيد ممن حق عليهم العذاب!
ألم تسمع بأذن قلبك خرير الماء وهو يتفجر من حجر صلب من خشية الله!
الكون ينطق ويفسر نفسه بنفسه هو فقط يكشف عن أسراره لمن يتأملَّه ويدرسه ويفرِّغ ذهنه له.
وإن ضاق عليك الكون الفسيح -ولن يضيق- فَاتَّهِم عقلك واستعن بالوسائل الحديثة واطَّلع على الأفلام الوثائقية التي تعرض أعجب مواقف الحيوانات بعضها مع بعض، من حيوانات مفترسة وطيور ونباتات وحتى أدق المخلوقات كالبكتيريا والميكروبات، لتخرج من ذلك بحقيقتين: أولاهما أن هذه العوالم أمم أمثالنا ما نعلمه عنها غَيضٌ من فيض، والثانية أنها فضلًا عن كونها مدركة عاقلة فهي تشاركك في التعبُّد، تسبح معك وتخضع معك وتسجد معك لكن بطريقتها، وقد جعل الله لك بها أُنسًا فاستَأنِس.
الفكرة من كتاب عبودية الكون والكائنات
تحتاج بين فترة وأخرى أن تُنعِش قلبك كما يفعل أهل الطب في غرف الإنعاش، نعم تحتاج إلى تلك الانتفاضة، ولا يأتي بها إلا التفكُّر والتدبُّر في هذا الكون وفي نفسك وفي كتاب ربك، فكن جريئًا في اقتحام الكون وكن جريئًا في الإقبال على القرآن، وهناك العديد من الوسائل التي تعينك على ذلك، منها هذا الكتاب ذو اللهجة البسيطة والمعاني العميقة.
مؤلف كتاب عبودية الكون والكائنات
وجدان العلي، هو أديب وطالب علم، تتلمذ على أيدي طائفة من علماء الشريعة واللغة العربية والأدب، يعمل في مجال الدعوة إلى الله، وله العديد من البرامج منها: “نوري”.
ومن مؤلفاته:
صادق بكة.
ظل النَّديم.
مؤيد عبد الفتاح حمدان، له العديد من المؤلفات في المجال الشرعي، ومن أبرزها:
أوراد أهل السنة والجماعة.
القرآن الصاحب الوفي.