جاء دور الأرض
جاء دور الأرض
ها نحن الآن في مطلع القرن العشرين، وبعد كل المُمهِّدات سيبدأ الصهاينة بالإعلان التدريجي بفكرة دولة إسرائيل، وذلك من خلال خلق جو في العالم للتعاطف مع قضيَّتهم، إلى جانب ذلك محاولة إخفاء وطمس كل ما قد يحول بين فكرة تكوين دولة اليهود، كل ذلك كان مدفوعًا من قبل حركة سياسية مُنظَّمة.
وكان الأدب في هذه الفترة يعتمد على تغيير الحقائق وتوظيفها من أجل الفكرة، ولو كان في ذلك كذب أو خداع أو تزوير، وكان أوَّل من سار في هذا الاتجاه الأدبي هو “ثيودور هرتزل” في روايته “الأرض الجديدة القديمة”، وهذه الرواية في ذاتها قد حوَّلت هرتزل من “الفنان” إلى هرتزل “السياسي”، وقد كان أسلوبه في هذه الرواية يعتمد على أرض فلسطين كأرض تنتظر اليهود ليصلحوها ويسكنوها، كما أن بطل رواية “الأرض الجديدة القديمة” لهرتزل لم تكن شخصية فلسفية مُنظِّرة فحسب كشخصيات الروايات القديمة، بل بدأت في العمل، وصارت جزءًا من حركة سياسية لها أهدافها قابلة التنفيذ.
وقد تميَّزت الرواية الصهيونية في شيء واحد عن باقي روايات العالم؛ وهي أنها لم تُثبت الحقائق أو تُعمِّقها، بل اخترعت “حقائق” جديدة تمامًا، هذه “الحقائق” المتوهَّمة لها دور كبير في التعاطف مع اليهودي وإعطائه حقًّا عالميًّا لشعور أوروبا بالذنب تجاه الاضطهاد الذي سبَّبته لهم.
ولهذا اعتمدت الروايات الصهيونية على عدة قضايا لا تخلو منها أي رواية، وهي باختصار كما ذكرها الكاتب: التفوُّق اليهودي والبطل المعصوم، والموقف من العرب بصورة خاصَّة وشعوب العالم بصورة عامَّة، كذلك علاقة الشخصية اليهودية بإسرائيل، وأخيرًا المُبرِّرات لغزو فلسطين والتي من أهمِّها الاضطهاد الذي تعرَّض له اليهود.
الفكرة من كتاب في الأدب الصهيوني
لم تظهر الصهيونية بين عشيةٍ وضحاها وسط العرب، فاحتلال الأرض هو المرحلة الأخيرة بعد احتلال كثير من الأشياء أولًا، مثل احتلال الأفكار والأذواق والآراء، حينها يتسع المجال لاحتلال الأرض!
إن الصهيونية قد لعبت دورها في “الأدب” قبل “السياسة”، فبالأدب تستطيع تغيير الأفكار وتزييف الحقائق حتى تقوم سياسيًّا على زيف وباطل دون أن يقف أمامك الكثير، فما كان مؤتمر بال سنة 1897م إلا ولادة الصهيونية السياسية التي مهَّدت لها الصهيونية الأدبية، ولأن كاتبنا مُميَّز بقلمه وعقله، فقد قام بتتبُّع الأدب الصهيوني الذي كُتِب لخدمة حركة الاستعمار سواء من يهود أو متعاطفين معهم لفترات طويلة مُبيِّنًا كيف لعب على الحقائق وزوَّرها ليُخرج أجيالًا مُضلَّلة ثقافيًّا، ترفض الحقيقة، وتُمهِّد للصهيونية أغراضها.
مؤلف كتاب في الأدب الصهيوني
غسَّان كنفاني: روائي وصحفي فلسطيني، وُلد في عكا الفلسطينية عام 1936م، أُجبِرت عائلته على الانزياح إلى لبنان ثم إلى سوريا بسبب الظروف السياسية التي مرت بها فلسطين، عاش في دمشق ثم انتقل إلى الكويت وعمل فيها مُدرِّسًا، وبعد ذلك انتقل إلى بيروت حتى عام 1972م، حيث استُشهِد في انفجار سيارة مفخَّخة على أيدي عملاء إسرائيليين.
كان غسان عضو المكتب السياسي والناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، ورئيس تحرير مجلة الهدف، ويعتبر أحد أشهر الكتَّاب والصحفيين العرب في القرن العشرين.
صدر له أكثر من 18 كتابًا، وعدد كبير من المقالات، إضافة إلى إنتاج غير مكتمل، ومن أبرز مؤلفاته:
“أرض البرتقال الحزين”، و”رجال في الشمس”، و”أم سعد”، و”عائد إلى حيفا”.