بما أن… إذًا
هذه الطريقة إحدى المغالطات المنطقية التي نستعملها في حديثنا كثيرًا، فمثلًا أستطيع إقناعك بأمر معين من خلال أن أسوق إليك مقدمات عن هذا الأمر تبدو صحيحة وذات تكوين منطقي ومرتب، لكنها أصلًا غير صحيحة أو مغلوطة، أو أصل بك إلى نتيجة لأمر ما أريد إقناعك به، لكن تلك النتيجة لا تلازم بينها وبين المقدمة أصلًا، وبالمثال يتضح المقال أيضًا: كل البلاء ضر، والمرض بلاء إذًا فالمرض ضر، هذه العبارة مبنية على مقدمة خاطئة أصلًا، فليس كل البلاء ضر بل فيه خير فيه ضر، على الرغم من أن شكل العبارة أو الحجة منطقي وصحيح، فإنها بدأت بمقدمات خاطئة أوصلت إلى نتيجة خاطئة، وطريقة تقسيم العبارة إلى شكل هرمي أو هيكل بما أن .. إذًا، أي مقدمتين وخاتمة أو نتيجة، يساعد كثيرًا على فحص العبارة أو الحجة والتفكير فيها بشكل سليم.
هناك أيضًا مغالطات أو بمعنى أصح مشكلات نقع فيها في أثناء النقاش نتيجة لخلطنا بين الكلمات أو المصطلحات أو التعاريف وبين وجودها وتحققها في الواقع، واقعين بهذا الخلط في نوع من السفسطة والجدال الذي لا طائل منه ولا يزيد الأمر إلا تعقيدًا وصعوبة، والمشكلة تكمن في ظننا أننا نتحدث عن شيء مختلف في حين أننا نستعمل نفس التعبير لكن من صور مختلفة، وبمعنى أدق مدلولات مختلفة للكلمة، ففي حين أننا قد نظن أننا مثلا مختلفون حول لفظ الديمقراطية يتضح أننا مختلفون حول مدلولها في الواقع أصلًا، وقد لا نفطن لهذا الاختلاف في أثناء نقاشاتنا، لانصباب اهتمامنا على التركيز على لفظ الكلمة نفسه الذي قد يأخذ مدلولات عدة ربما نجدها جميعها متفقة في النهاية!
وبالطبع فإنه من العسير جدًّا على الناس أن يلجؤوا إلى القاموس كلما اختلفوا حول مدلول كلمة معينة، أولًا لصعوبة الأمر، ثانيًا لتغيّر مدلولات الكلمات مع اختلاف الأزمنة.
أيضًا من الأخطاء التي تحدث نتيجة للخلط بين معنى الكلمة ومدلولها الواقعي الإصرار على استعمال التفكير النظري في مجال حل المشكلات التي لا تُحل إلا من خلال التجربة والمشاهدة والواقع، نعم علينا أن نتقبل أن بعض المجالات لا يمكن للتفكير النظري أن يتدخل فيها كما أن له مجالات أخرى يمكنه أن يدلي فيها بدلوه بالطبع، لكن ليس كل المجالات، إن كلًّا من التفكير النظري والتجربة العلمية ذو فائدة وأهمية، وعلينا أن نخرج في حكمنا النظري على الأشياء من رؤيتنا نحن لما يجب أن تكون عليه، إلى الحكم على ماهي عليه فعلًا، ويمكننا أن نخضع احتمالاتنا تلك وأفكارنا النظرية للتجربة والخطأ.
الفكرة من كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
ينشأ الخطأ في التفكير ابتداء من الخطأ في فهم الآخر وفهم الطرق والأساليب التي يستعملها في إيصال أفكاره، وفي هذا الكتاب يناقش الكاتب تلك الطرق والأساليب التي تقودنا نحو تفكير مستقيم أو تفكير خاطئ أعوج مستندًا في ذلك إلى عديد من الأمثلة، خصوصًا السياسية منها.
مؤلف كتاب التفكير المستقيم والتفكير الأعوج
الدكتور روبرت هنري ثاولس، أستاذ في جامعة كمبريدج، عمل محاضرًا لعلم النفس في جامعتي مانشستر وجلاسجو، وله مؤلفات في علم النفس منها:
سيطرة العقل
علم النفس العام والاجتماعي
معلومات عن المترجم:
حسن سعيد الكرمي، خريج الكلية الإنجليزية في القدس، والتحق بإدارة المعارف في فلسطين معلمًا للإنجليزية، وعند انتهاء الانتداب البريطاني عمل مراقبًا بالإذاعة البريطانية في لندن، وألف كتبًا باللغة الإنجليزية عن فلسطين.