العرض والطلب
العرض والطلب
عندما ننظر إلى الطرق المتبعة للتعامل مع الفقر، سنجد منهجين بارزين للاقتصاديين في هذا الشأن ظهرا نتيجةً لوجود فرضيات عن حقيقة الواقع المعيشي للفقراء، فالمنهج الأول (أنصار العرض) يفترض أن الفقر يمثل حفرة بمجرد الوقوع فيها لا يتمكَّن الفرد من الفرار، وبالتالي فإننا مطالبون بمد يد العون إلى الفقراء حتى يمكنهم النجاة، هذا المنهج وعلى الرغم من افتراض حسن النية فإنه يقترح ضمنيًّا أن الفقراء غير مسؤولين عن مصائرهم ولا يمكنهم إدارة حياتهم، ومن هذا المبدأ يرى أصحاب المنهج الثاني (أنصار الطلب) أن المعونات الموجَّهة إلى الفقراء لا تساعدهم على الخروج من حفرة الفقر كما يدعي أنصار العرض، بل إنها تجعلهم معتادين تلقِّي المساعدة فلا يحاولون تغيير الوضع بأنفسهم.
يضرب الكتاب أمثلة كثيرة يظهر فيها هذا الانقسام في وجهات النظر، وأحد هذه الأمثلة الدول الموبوءة بالملاريا، فتبعًا لأنصار العرض، فإن هذه الدول فقيرة نتيجة للوباء المنتشر بين أفرادها والذي يحد من إنتاجيتهم، ولا بد إذًا من مقاومة الملاريا عن طريق توفير أساليب يمكنها تقليل فرص الإصابة مثل الناموسيات، ولكن هذه الأساليب مكلِّفة وتتخطَّى الإمكانيات المادية للسكان، وهذا هو الفخ الذي يدفع الفقراء إلى المزيد من المرض ثم مزيدًا من الفقر وهكذا، فالحل هنا هو أن تقوم المؤسسات بتوفير هذه المساعدة مجانًا حتى يتمكَّن الفقراء من كسر هذه الحلقة المفرغة.
لا يتشارك “أنصار الطلب” هذا الرأي، فهم يرون أن تقديم المساعدات مجانًا يجعلها عديمة القيمة بالنسبة للناس فيما يعرف بـمغالطة “التكلفة الغارقة”، وهو أيضًا يضر الاقتصاد على المدى البعيد، إذ إن السكان لن يقدموا على شراء شيء كان بإمكانهم الحصول عليه مجانًا حتى عندما تتحسَّن أوضاعهم الاقتصادية، فالفكرة هنا هي أن السوق لا بد أن يترك دون تدخُّل لأن الناس يعلمون ما هو الأفضل لهم.
لا يتبنى الكتاب أحد الاتجاهين في المطلق، مفسرًا أن باختلاف الظروف والبيئة يمكن أن ينجح اتجاه في تفسير الواقع ويخطئ الآخر، والواجب علينا أن نفهم جيدًا طبيعة المشاكل التي نتعامل معها حتى نستطيع توظيف الحلول اللازمة.
الفكرة من كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
بين تلك الصور النمطية ونظريات اليمين واليسار السياسي فيما يتعلق بسياسات محاربة الفقر، يقوم هذا الكتاب بمناقشة الوضع الحقيقي الذي يعيشه الفقراء في العالم، فمن خلال المعلومات والأدلة المستمدة من تجارب حقيقة وإحصائيات دقيقة، يحاول الكتاب أن يشرح الواقع من خلال تقديم نماذج أكثر تفصيلًا تصلح للدراسة المنهجية، واستنتاج الأسباب التي تدفع بالفقراء إلى اتخاذ قرارات وانتهاج سلوكيات تجعل الفرار من الفقر ورفع المستوى الاجتماعي شيئًا أقرب إلى المستحيل؛ ومن خلال هذا الفهم الشامل للمشكلة يمكننا أن نبادر بخطوات إيجابية لبناء عالم أفضل للجميع حتى ولو تطلَّب الأمر الكثير من الجهد والمحاولة.
مؤلف كتاب اقتصاد الفقراء: إعادة نظر في أساليب محاربة الفقر
أبهيجيت بانرجي وإستر دافلو: باحثان في الاقتصاد بجامعة MIT، وحاصلان على جائزة نوبل عام 2019 تقديرًا لجهودهما في تقديم حلول جديدة وعملية للمشاكل التي تواجه الفقراء في العالم، حيث قام الكاتبان بالمساعدة في إنشاء معمل “عبد اللطيف جميل” لمكافحة الفقر، والذي يختص بإجراء تجارب عشوائية مُحْكَمَة بهدف الحصول على معلومات ونشر أوراق بحثية تساعد على تقديم برامج قابلة للتنفيذ بالتعاون مع المنظمات المعنية بتقديم الدعم للفقراء، الحكومية والتطوُّعية.
قام الكاتبان بنشر كتاب آخر متعلق بنفس الموضوع هو “اقتصاديات جيدة للأوقات الصعبة”.
معلومات عن المترجم:
أنور الشامي: هو صاحب الترجمات “خرافة ريادة الأعمال”، و”شغف المغامرة”، و”البداية”.