في الصلاة
في الصلاة
نكبِّر تكبيرة الإحرام رافعين أيدينا وكأننا نلقي الدنيا وراء ظهورنا، ونقول: “الله أكبر”، الله أكبر من هذه الدنيا ومن حاجاتنا التي سنطلب منه قضاءها، تكبيرٌ ينبغي أن يصدقه قلبك، فلا يكون شيءٌ فيه أكبر من الله سبحانه، وتأتي تكبيرات الانتقال في الصلاة لتذكِّرك بهذه المعاني وتعيدك إن شرد ذهنك وتسترد بها خشوعك الذي تسرقه وساوس الشيطان وخطرات الدنيا.
ثمَّ نقرأ دعاء الاستفتاح ونتدبَّر ما فيه من المعاني العظيمة، وننوِّع بين صيغه المختلفة في كل صلاة، ومنها: “سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك”، و”اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقِّني من خطاياي كما ينقَّى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالثلج والماء والبرد”، ثمَّ نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، فنبدأ في تلاوة كلام الله (تبارك وتعالى) بتدبُّر ونحن نجلُّه ونعزُّه، ونقرؤه بتمهل وتؤدة لا نلقيه كالشعر أو نسرده على عجلة، نقرأ فاتحة الكتاب التي لا تصح الصلاة من دونها في كل ركعة، وهي سورةُ ذات فضلٍ عظيم يبيِّن فضلها أن بابًا من السماء لم يُفتح إلا حين نزول ملك لم ينزل قط إلا حين نزل بالفاتحة وخواتيم سورة البقرة، ونستحضرُ في قراءتنا لها قول رسول الله (ﷺ) في الحديث القدسي: “إن اللهَ تعالى يقولُ: قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ، نصفُها لي ونصفُها لعبدي، ولعبدي ما سألَ، فإذا قالَ: ﴿الحمدُ للهِ ربِّ العالمين﴾ قالَ اللهُ: حمِدني عبدي…” إلى آخر الحديث، ثم نقول: “آمين”، متذكرين أن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غُفر له ما تقدم من ذنبه، ثم نقرأ ما تيسَّر من القرآن، ثم الركوع في هيئة تعظيم وتبجيل، ثم الرفع منه مثنيًا على الله، ثم السجود في تذلُّل وخضوع لله، ثم الجلوس بين السجدتين في هيئة عبدٍ جاثٍ على ركبتيه راغبًا في مغفرةِ سيده، وتتعدَّد صيغ الأذكار الواردة في هذه الأركان، فينبغي لنا أن نتعلمها ونفهمها وننوِّع بينها ونتدبَّرها، ونكرِّر أركان الصلاة مرةً بعد مرة لنروي قلوبنا.
الفكرة من كتاب بوابة الخشوع في الصلاة
للصلاة حلاوةٌ ولذة تفوق لذائذ الدنيا، محرومٌ من لم يذُقها، ولا يعرف المعنى الحقيقي للسعادة والأنس والطمأنينة، ما السبب الذي يمكن أن يحرمنا تلك اللذة؟ الجواب في قول ابن القيم: “وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) يقول: “إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور؛ يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول”، ما يعني أننا بحاجةٍ إلى مراجعة أنفسنا، ألسنا نحرص على تجديد كثير من أمور حياتنا وتحسينها مثل البيت والثياب وغيرها؟ فلمَ لا نفعل ذلك مع صلاتنا ونحن نعلم أنها لا تسلم من النقص والخطأ ونشكو قلة الخشوع فيها وقلة حرصنا عليها، إلا من رحم الله؟
مع هذا الكتاب نحاول أن نجدِّد ونُحيي فينا معاني الصلاة وأحوالها، ونعرف معنى الخشوع ونطلب أسبابه، ونسعى للظفر بلذَّتها.
مؤلف كتاب بوابة الخشوع في الصلاة
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وإمام وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ينشر عليها خُطبًا وخواطر واقتباسات من كتبه.
له العديد من المؤلفات، منها: “الأنس بالله تعالى”، و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه”، و”الحياة الزوجية السعيدة، قواعد وحقوق وعلاج للمنغصات”، و”صناعة طالب علم ماهر”، و”آداب طالب العلم وسبل بنائه ورسوخه”، و”حياة السلف بين القول والعمل”، و”عبقرية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله”.