الطريق إلى الخشوع
الطريق إلى الخشوع
أول ما ينبغي فعله لمن يريد الخشوع في الصلاة أن يستحضر عظمتها وقدرها عند الله (تبارك وتعالى)، فقد ذكرها الله في كتابه الكريم أكثر من ستين مرة، وهي تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي أفضل الأعمال بعد الشهادتين، وهي نورٌ لصاحبها في الدنيا والآخرة، ويرفع الله بها الدرجات، كما أنها تغسل الخطايا وتكفِّر السيئات والذنوب، ولها المزيد من الفضائل العظيمة التي تدفع المسلم ليوليها أشد الاهتمام، كما ينبغي للمصلي أن يوقن أنه لا غنى له عن الصلاة ولا عن ربه سبحانه، وأن حياته لا تستقيم أو تكتمل دونها، كالنفَس والطعام والشراب.
أصلِح قلبك ونيتك إذا أردت صلاح عملك؛ فقد قال رسول الله (ﷺ): “ألا وإنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً، إذا صَلَحَتْ، صَلَحَ الجَسَدُ كُلُّهُ، وإذا فَسَدَتْ، فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، ألا وهي القَلْبُ”، ولا تُقاس الأعمال بكثرتها، بل بما يعتمل في القلب عند أدائها، وهذا في الصلاة كما في سائر الأعمال.
فإذا جاء وقت الصلاة فتجمَّل لله تعالى، البس أحسن الثياب وتطيَّب وتعطَّر تعظيمًا لشعائر الله ودليلًا على حبك لربك، ومن أحب شيئًا ظهر شوقه في سرعة إقباله عليه فبكِّر إلى الصلاة إذا سمعت النداء؛ أنَّى لنا بلذة الصلاة ونحن نجرٌّ أنفسنا إلى الصلاة جرًّا ولا نقبل عليها؟
وعند الصلاة ينبغي لنا أن نحرص على الاستكانة والتذلُّل لله، وأن نجتهد ما استطعنا في دفع الوساوس التي تشغل القلب والتي يكون مصدرها إما شبهات أو شهوات أو تعلقٌ بلذات الدنيا ومتاعها أو انشغال بمكروهاتٍ فيها كفقرٍ أو غيره، وعلينا أن نتفكر ونتدبر في كل قولٍ أو فعل نؤديه، وأن نُنوِّع في الأذكار والأدعية في صلاتنا اتباعًا لسنة النبي (ﷺ)، ولننال الفائدة الخاصة بكل ذكر من الأذكار المختلفة، ولننشِّط النفس ونزيد من التدبُّر وحضور الذهن.
ولا ننسى الدعاء الذي هو من أعظم أسباب التوفيق للأعمال الصالحة، فنسأل الله أن يجعلنا من مقيمي الصلاة، وأن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته ونلح في الدعاء.
الفكرة من كتاب بوابة الخشوع في الصلاة
للصلاة حلاوةٌ ولذة تفوق لذائذ الدنيا، محرومٌ من لم يذُقها، ولا يعرف المعنى الحقيقي للسعادة والأنس والطمأنينة، ما السبب الذي يمكن أن يحرمنا تلك اللذة؟ الجواب في قول ابن القيم: “وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية (رحمه الله) يقول: “إذا لم تجد للعمل حلاوة في قلبك وانشراحًا فاتهمه، فإن الرب تعالى شكور؛ يعني أنه لا بد أن يثيب العامل على عمله في الدنيا من حلاوة يجدها في قلبه وقوة انشراح وقرة عين، فحيث لم يجد ذلك فعمله مدخول”، ما يعني أننا بحاجةٍ إلى مراجعة أنفسنا، ألسنا نحرص على تجديد كثير من أمور حياتنا وتحسينها مثل البيت والثياب وغيرها؟ فلمَ لا نفعل ذلك مع صلاتنا ونحن نعلم أنها لا تسلم من النقص والخطأ ونشكو قلة الخشوع فيها وقلة حرصنا عليها، إلا من رحم الله؟
مع هذا الكتاب نحاول أن نجدِّد ونُحيي فينا معاني الصلاة وأحوالها، ونعرف معنى الخشوع ونطلب أسبابه، ونسعى للظفر بلذَّتها.
مؤلف كتاب بوابة الخشوع في الصلاة
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وإمام وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي؛ ينشر عليها خُطبًا وخواطر واقتباسات من كتبه.
له العديد من المؤلفات، منها: “الأنس بالله تعالى”، و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه”، و”الحياة الزوجية السعيدة، قواعد وحقوق وعلاج للمنغصات”، و”صناعة طالب علم ماهر”، و”آداب طالب العلم وسبل بنائه ورسوخه”، و”حياة السلف بين القول والعمل”، و”عبقرية شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله”.