قوى خفية!
في عام ١٩٧٦ وقف طبيب كبير وعضو في جمعية الأطباء الملكية بلندن ليعلن عن وجود طاقة خفية كامنة في الإنسان؛ فالكون بمثابة طاقة ومادة وكلتاهما تؤثر في الأخرى، والإنسان مكوَّن من ذرَّات تتشكَّل من جسيمات ذات طبيعة مادية وكهرومغناطيسية، ويستطيع بعض الناس كالمعالجين الروحيين إطلاق هذه الإشعاعات الكهرومغناطيسية بتركيزات مناسبة لتغير في مادة الجسم وتصلح الخطأ فيها وتشفي المرض! وقد استدل روبرت ميللر -وهو أستاذ هندسة كيميائية بإحدى جامعات أمريكا- على زعم صاحبه الإنجليزي بأن طلب من الجمهور أخذ أنفاس عميقة مع تشابك الأيدي بين المتجاورين ليشعروا بشيء غير عادي كأنما نبضات تنطلق من أصابعهم!
إن التنفس العميق عندما يُخلِّص الجسم من ثاني أكسيد الكربون يؤدي إلى تغير التوازن الأيوني في الجسم ويتغيَّر بدوره النشاط العصبي في شكل وخز خفيف في الأطراف؛ أي ما حدث شيء طبيعي ومعروف دون الحاجة إلى موجات خفية تنطلق من الجسم لكن ميللر يشغِّب على العامة ويقلب الحقيقة العلمية، بل ينطلق أبعد من ذلك فيدَّعي أن نمو النباتات يتأثر إذا سُقي بماء تسلَّط عليه قوى مغناطيسية؛ ولما طلب أحد الحضور الدليل على ذلك تهرَّب من الإجابة بذكاء، وهي نفس الحيلة التي ينطلق منها الجراحون الروحيون في الفلبين الذين ادَّعوا قدرتهم على استخدام طاقاتهم الخفية في استئصال الأورام واستخراج الجلطات والحصوات من غير إحداث شَق في الجسم، كما اتخذ غيرهم ظاهرة التصوير الكيرلياني -الذي يظهر على الأفلام الحساسة في شكل هالة نورانية تحيط بالجسم- للبرهنة على وجود تلك القوى.
الحقيقة أنه لا علاقة للروح أو أي قوى خفية بتلك الهالة، وإنما هي نتيجة للحرارة المنبعثة من الجسم، وهي نوع من الأشعة تحت الحمراء التي لا يمكن رؤيتها، ولكن يمكن تصويرها بأجهزة تصوير خاصة فتظهر عند تحميضها على هيئة هالة غريبة تقل بالابتعاد عن الجسم، وقد تنبعث من الأجساد الميتة إذا كانت أعلى حرارة من الوسط المحيط، وهي ظاهرة مفسرة منذ زمن وتستخدم في الكشف عن الثروات، ولها صور أخرى معروفة.
الفكرة من كتاب الإنسان الحائر بين العلم والخرافة
جاء في لسان العرب: الخُرافة الحديثُ الـمُسْتَمْلَحُ من الكذب وذكروا في قولهم: “حديثُ خُرافة” أنَّه رجل من بني عُذْرَةَ أَو جُهَيْنةَ، اخْتَطَفَتْه الجِنُّ ثم رجع إلى قومه فكان يُحَدِّثُ بأَحاديثَ مما رأى يَعْجَبُ منها الناسُ فكذَّبوه فجرى على ألسُن الناس.
ولكل عصر خرافاته، غير أن خرافات العصر الحديث -وإن كانت لها جذور قديمة- تتخذ لبوس العلم، وتتشبَّع زورًا بروح منهجه، وساعد على رواجها طبيعة الإنسان الجانحة إلى الخيال وأجهزة الإعلام الباحثة عن الإثارة، ورغبة بعض الأذكياء الاشتهار أو التربُّح السريع على حساب جهل الدهماء من الناس، ويتناول هذا الكتاب بعض الخرافات الحديثة المنتشرة، مُقدِّمًا لها التفسير العلمي الصحيح بأسلوب مبسط.
مؤلف كتاب الإنسان الحائر بين العلم والخرافة
الدكتور عبد المحسن صالح: وُلد بمحافظة بني سويف في ٢٤ فبراير عام ١٩٢٨، وتخرج في كلية العلوم بجامعة القاهرة عام ١٩٥٠، ثم حصل على درجتي الماجستير عام والدكتوراه من الجامعة نفسها في علم الكائنات الدقيقة، وعمل أستاذًا لعلم الكائنات الدقيقة بكلية الهندسة بجامعة الإسكندرية، وكان عضوًا في جمعية الميكروبيولوجيا التطبيقية، وتُوفي بين كتبه وأبحاثه في غرة رمضان عام ١٩٨٦.
ومن مؤلفاته:
– التنبؤ العلمي ومستقبل الإنسان.
– مسكين عالم الذكور.
– الميكروبات والحياة.