الدعابة ضد التعاطف
الدعابة ضد التعاطف
يمكن أن تستخدم الدعابة كسلاح يتم من خلاله محاربة الانحرافات الاجتماعية وكبح جماح أي انحراف في المجتمع، وبالتالي تعد الدعابة إذا استخدمت الاستخدام الصحيح أداة إصلاح للمجتمع وتوجيهه نحو الفضيلة، ففي كثير من الأحيان قد تعجز المواعظ عن توجيه الرجال والنساء نحو الفضيلة في الوقت الذي تستطيع فيه الدعابة أن تفعل ذلك، فكما يقول “فرانسيس هاتشيسون”: “تخلَّصَ الكثير من الرجال عبر الضحك من معاصٍ لم تقوَ المواعظ على إصلاحها”، لأن الإنسان لا يحب أن يكون موضوعًا للسخرية والدعابة.
تعدُّ العاطفة والمشاعر كالشفقة من ألدِّ أعداء الدعابة والكوميديا بشكل عام، لأن الضحك يشكل حاجزًا بين الحصول على المتعة والتعاطف، وبالتالي يعمل الضحك على حماية الإنسان من الشعور بمعاناة الآخرين وآلامهم، فبدلًا من أن يتعاطف الإنسان مع أصحاب المآسي ويشفق عليهم يلجأ إلى الضحك والتهريج والسخرية، فيجعل من آلامهم مادة للضحك لكي يمنع عن نفسه هذا الشعور بالتعاطف غير الممتع!
إذا كنت متخصصًا في علم الاجتماع وموظفًا في إحدى الشركات وأثناء مرورك في أروقة الشركة وجدتَ إحدى الموظفات تبكي، فإنك سوف تواسيها وتشاركها أحزانها، لكن عندما تجد أن هناك موظفة أخرى تبكي، فإن بكاء الموظفة الثانية سيقلِّل من شأن بكاء الموظفة الأولى، كما أنه سوف يقلِّل في ذات الوقت من استجابتك العاطفية، وهذا راجع إلى أن علم الاجتماع غير معنيٍّ بالحالات الفردية، بل يهتم بالعلاقات البشرية العامة، وعلى المنوال ذاته الكوميديا، فالكوميديا الحقيقية لا تلتفت إلى الحالات الفردية، بل تلتفت إلى السلوكيات والخصائص المشتركة في العلاقات البشرية بشكل عام لأن الإنسان عندما يتابع ظاهرة فردية فإنه يبدِّد طاقته، لكن عندما يتابع حالة عامة مشتركة فإن ذلك يبدد التعاطف تجاه الحالات الفردية، فيساعده ذلك على تحرير طاقته على هيئة موجة ضحك، فبالتالي نجد أن التعاطف والضحك لا يجتمعان، ما يعني أن التعاطف هو الضربة القاضية للضحك!
الفكرة من كتاب فلسفة الفكاهة
تذهب دراسات كثيرة إلى القول إنه لا ينبغي تفسير الفكاهة، لأن تحليلها وتفسيرها يؤدي إلى تدميرها، إذ إن تفسير الفكاهة ينفي عنها كونها فكاهة، وفي الحقيقة هذا ليس صحيحًا إلا في حال تم إلقاء الفكاهة وتفسيرها في ذات الوقت، وبالتالي فإن فهم الطريقة التي تعمل بها الفكاهة لا يعني في الحقيقة تدميرها، وعمومًا فإن للدعابة والفكاهة استخدامات عديدة، فبعض الأشخاص المتصفين بالعنصرية قد يستخدمونها للترويج لأفكارهم التي لا يستطيعون -خوفًا من المجتمع- قولها بشكل تقليدي خالٍ من الدعابة، وقد تستخدم الفكاهة للحض على فضيلة، أو الترويج للجنس والعنف تحت ستار الدعابة، كما أن الفكاهة من وجهة نظر جوناثان ميلر: هي تسلية مجانية للعقل تريحنا من سلسلة الأفكار الروتينية، وتخفِّف من استبدادها، وتمنعنا من أن نصبح عبيدًا لها.
مؤلف كتاب فلسفة الفكاهة
تيري إيغلتون : هو كاتب ومفكر وناقد أدبي وأكاديمي بريطاني، يعمل في قسم الأدب الإنجليزي في جامعة لانكستر، قام بتأليف العديد من الكتب، منها: “النظرية الأدبية”، و”أوهام ما بعد الحداثة”، و”الرعب المقدس”، و”معنى الحياة”، و”مشكلات مع الغرباء”، و”فكرة الثقافة”، و”فلسفة الفكاهة”.
معلومات عن المترجم:
ماجد حامد: ترجم عددًا من الكتب، ومنها رواية “إجازة في بركة دماء”، لمؤلفها مايكل كونللي، وكتاب “نوڤاسين – عصر الذكاء الفائق القادم”، لمؤلفيه جايمس لوڤلوك وبراين آپليارد، ورواية “باسم الشعب”، لمؤلفها زو مايسن.