لغة التفاهة
لغة التفاهة
هل من المُمكن أن تكون السلبية قيمة؟ نعم مُمكن جدًّا.. إننا في عالم يدفعنا دفعًا إلى اتخاذ موقف ما تجاه الأشياء، بل لا بد أن يكون لك رأي في كل شيء، ولكن هذه الطريقة لا تصلح لكل البشر، فالناس قدراتهم متفاوتة ومحدودة، فحينما تُقدِّم مساحة لمن لا يستحقها ستجد التفاهة مُتصدِّرة، فأنت اليوم لا بد أن تتعلم مهارة “اللااعتناق”، أي أن تترك مسافة بينك وبين الرأي، لا يهم أن يكون لك رأي في كل شيء.
وبسكوتك ذلك ستعرف جيدًا ما خطاب التفاهة، فإنها تستخدم لغات مُحددة لتصفية الناس، وذلك لتُقدِّم التافهين وتؤخِّر غيرهم، من تقبَّل هذا الخطاب فهو مقبول بلا شك، فترى استخدامهم للغة العاطفية أو القصصية، لغة تملأ النفوس بالحماس لكنها لا تعرف كيف تتصرَّف، أو يستخدمون اللغة “الخشبية”، وهي لغة صالحة لكل زمان ومكان، لغة من يتكلم بها تراه مُتشدِّقًا ومتحمِّسًا، يستخدم الكثير من الكلمات الطنَّانة، لكن لا تستطيع ترجمة كلماته إلى عمل حقيقي على أرض الواقع.
ومن لغات التفاهة أيضًا؛ التبسيط المُخل، فالتبسيط إن تجاوز حدَّه صار خطرًا لأنه يؤدي إلى الانخفاض بمستوى الفهم والاستيعاب، فينخفض معه التطور العقلي، لذلك يجب ألا يختزل المُعلِّم العلم حتى يُقدمه بسهولة لطُلابه، بل يجب أن يرتفع بأذهان الطُلاب ليستقبلوا العلم على حقيقته.
كما أن ما تتميز به لغة التافهين هو الحشو بالكلمات المُعقدة التي لا يفهمها الناس، لتُظهر أن هذا المُتحدِّث يبدو مثقفًا وعلى علم، وكأنها شفرة سرية بين التافهين، أو رمز يستخدمونه ليعرف بعضهم بعضًا، ما دام المُتحدِّث نطق بهذه الكلمات المُعقَّدة الغريبة عن الأسماع إذًا فهو مُرحَّب بِه ضمن حزب التافهين.
الفكرة من كتاب نظام التفاهة
حينما تفتح التلفاز فتُشاهد “الفنانة” المُلوَّنة تُقدِّم نصائح زوجية، فتسأل ما الذي جعل الفنانة مُرشدة مجتمعية؟ أو حينما تتأمَّل في الفيلم أو مقطع اليويتوب الأكثر مشاهدة ثم تسأل: لماذا هذا العدد الضخم من المُشاهدات لهذا النوع من المقاطع والأفلام؟ فإن هُناك سمة مُشتركة بين هذه الفنانة وهذا الفيلم وهذا المقطع؛ إنه التسطيح والفراغ القيمي.
إننا في عصرٍ يطلب منك ألا تُفكِّر كثيرًا، يجب ألا تكون عميقًا أبدًا، كُل الأشياء في حقيقتها بسيطة لا تتطلَّب منك سوى فنجان قهوة وكتاب عنوانه غير مفهوم، أنت الآن مثقف، أنت الآن مُتحدِّث جيد حول القضايا المُهمة.
في كتابنا يأخذنا الكاتب إلى رحلةٍ شيِّقة مؤلمة بعض الشيء ليُظهر طبيعة العصر الذي نعيش فيه، فنعرف خطر المُنزلق الذي يزداد انحدارًا يومًا بعد يومًا على عدة مستويات؛ فيضعنا أمام حقيقة مُشاهدة لكن لا أحد يعبأ بخطورتها!
مؤلف كتاب نظام التفاهة
الدكتور آلان دونو: أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس، وله اهتمام كبير بالتصدِّي للرأسمالية والعولمة، اشتهر بكتابِه Noir Canada ويعني “كندا السوداء”، والذي هاجم فيه شركات صناعات التعدين الكندية هجومًا قويًّا بسبب عمليات الفساد والنهب التي قامت بها في أفريقيا.
من مؤلفاتِه: Imperial Canada Inc.: Legal Haven of Choice for the World’s Mining Industries
معلومات عن المُترجمة:
مشاعل الهاجري: أستاذة القانون الخاص بكلية الحقوق جامعة الكويت، حاصلة على دكتوراه في القانون المدني المُقارن من جامعة “إسيكس” في المملكة المُتحدة، ونالت جائزة “جامعة الكويت لأفضل باحث من أعضاء هيئة التدريس للشباب”، عام 2008.
ألَّفت كتاب: “قانون العمل الكويتي الجديد”.