المضحوك عليه
المضحوك عليه
من أين بدأت هذه المسرحية؟ وكيف فُقدت الحِرف؟ ولماذا نسمع عن أعمال شديدة السطحية؟ يعتقد الكاتب أن السبب في ذلك هو تقسيم العمل سواء اليدوي أو الفكري إلى أجزاء بسيطة جدًّا، كل جزء يصب في منتج نهائي كبير، إلا أن من يعمل على الجُزء الأول لا يُدرك طبيعة الجزء الثاني، بل لا يستطيع فهم آلية عمل المنتج النهائي، فهو قادر على وضع شريحة الجُبن في الساندوتش، بل هو جيد جدًّا في هذه الوظيفة، لكنه لا يستطيع صناعة الساندوتش كاملًا! لذا نرى كيف ظهرت التخصصات الدقيقة جدًّا، والموضوعات التفصيلية التي تجعل صاحبها ضيقًا جدًّا في تصوُّره، لكنه يعتقد أنه يعرف كل شيء.
فأصبح العُمال مجرد أدوات، تؤدي جزءًا مُختزلًا مطلوبًا لزيادة رأس المال، إنه يتصرف ضمن إطار ميكانيكي بحت، ثم يبدأ الترقي تدريجيًّا حتى يشغل موقع سُلطة، يُزيح بذلك أصحاب الكفاءة العالية أو غير الأكفاء.
مثال ذلك المُدرِّس الذي يُلام من قِبل المُدير لأنه خرج عن النظام التقليدي في التدريس محاولًا مساعدة طُلابه بصورة أعمق وأجدر، فخروجه عن النظام سوف يتسبَّب في اضطراب عدد من المُدرسين في السنة التالية، إذ كيف يتعاملون مع طُلاب لديهم المعلومات التي سيقدمونها لهم؟ وهكذا في كل مؤسسة، فيخرج لنا “الأُمي الثانوي”، وهو شخص لديه معارف علمية، لكنه لا يُسأل يومًا عن الركائز الأيديولوجية التي تستند إليها هذه المعارف، بل لا يعرف حقيقة توظيف هذه المعارف بشكل عملي، فهو يعد نفسه عالمًا بالأمور، لكنه في حقيقة الأمر مُختزل بصورةٍ كبيرة.
فالنظام العام للمجتمع قد صُمِّم ليتقدَّم هؤلاء ويتأخر غيرهم، بل إن النظام في حقيقته يُنتج هذا النوع من الأفراد لأنه يصب في مصلحته، أن يكون الفرد مُختزلًا أُميًّا ثانويًّا خبيرًا فارغًا لا يتقدَّم للتغيير؛ فهذا هو المطلوب.
الفكرة من كتاب نظام التفاهة
حينما تفتح التلفاز فتُشاهد “الفنانة” المُلوَّنة تُقدِّم نصائح زوجية، فتسأل ما الذي جعل الفنانة مُرشدة مجتمعية؟ أو حينما تتأمَّل في الفيلم أو مقطع اليويتوب الأكثر مشاهدة ثم تسأل: لماذا هذا العدد الضخم من المُشاهدات لهذا النوع من المقاطع والأفلام؟ فإن هُناك سمة مُشتركة بين هذه الفنانة وهذا الفيلم وهذا المقطع؛ إنه التسطيح والفراغ القيمي.
إننا في عصرٍ يطلب منك ألا تُفكِّر كثيرًا، يجب ألا تكون عميقًا أبدًا، كُل الأشياء في حقيقتها بسيطة لا تتطلَّب منك سوى فنجان قهوة وكتاب عنوانه غير مفهوم، أنت الآن مثقف، أنت الآن مُتحدِّث جيد حول القضايا المُهمة.
في كتابنا يأخذنا الكاتب إلى رحلةٍ شيِّقة مؤلمة بعض الشيء ليُظهر طبيعة العصر الذي نعيش فيه، فنعرف خطر المُنزلق الذي يزداد انحدارًا يومًا بعد يومًا على عدة مستويات؛ فيضعنا أمام حقيقة مُشاهدة لكن لا أحد يعبأ بخطورتها!
مؤلف كتاب نظام التفاهة
الدكتور آلان دونو: أستاذ الفلسفة في جامعة كيبيك الكندية، حصل على درجة الدكتوراه من جامعة باريس، وله اهتمام كبير بالتصدِّي للرأسمالية والعولمة، اشتهر بكتابِه Noir Canada ويعني “كندا السوداء”، والذي هاجم فيه شركات صناعات التعدين الكندية هجومًا قويًّا بسبب عمليات الفساد والنهب التي قامت بها في أفريقيا.
من مؤلفاتِه: Imperial Canada Inc.: Legal Haven of Choice for the World’s Mining Industries
معلومات عن المُترجمة:
مشاعل الهاجري: أستاذة القانون الخاص بكلية الحقوق جامعة الكويت، حاصلة على دكتوراه في القانون المدني المُقارن من جامعة “إسيكس” في المملكة المُتحدة، ونالت جائزة “جامعة الكويت لأفضل باحث من أعضاء هيئة التدريس للشباب”، عام 2008.
ألَّفت كتاب: “قانون العمل الكويتي الجديد”.