ثمراتٌ في القلب
ثمراتٌ في القلب
ولا يجني من يسلك طريق الأُنس بالله ثمرات في عمله فقط، بل يجد ثمرات أطيب في قلبه هي الهدف الأهم في سعيه، وإنما لذة الأعمال الظاهرة قطرة في بحر من لذة وسعادة العبادات القلبية، فمن طهر قلبه وأقبل على الله بصدق أذقه من حلاوة الإيمان التي لا تضاهيها حلاوة أو لذة وتتبدد بها الشكوك والشبهات، ومنَّ الله عليه باليقين التام به الذي يبغض إليه المعصية ويحبب إليه الطاعة، ويبلغه مرتبة الإحسان التي قال عنها رسول الله (ﷺ): “الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ”، وبه تُنال الإمامة في الدين؛ كما في قوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ﴾.
ويورث اليقين الرضا، فيرضى العبد بربه سبحانه وتعالى ربًّا ومعبودًا، فيستغني به عن الخلق ويؤثر رضاه على رضا غيره، ويرضى بما يكتب له من الأقدار، ومن تيقن ورضيَ ارتقَ إلى منزلة الصديقين، والصادق من استقام لسانه فلم يكذب ولم يحقر ولم يغدر ولم يغتب، وسلم قلبه وامتلأ بالإخلاص والخشوع والإنابة إلى الله، وسلم عمله فكان متبعًا لهدي القرآن والسنة، وتكون حياته كلها لله ومع الله وبالله.
ومن صدق أحب الله تبارك وتعالى محبةً خاصة لا تكون لعطائه وإحسانه، فإن ابتلي بغياب النعم اضمحلت محبته، بل محبة لذاته سبحانه ولما هو أهل له، ومن أسرار تلك المحبة علمٌ مفصل بأسماء الله وصفاته، وعلامة المحب الصادق تقديم محاب الله على جميع المحبات عنده وأن يغار لله ورسوله، ولا حياة أكمل ولا أجمل من حياة المحبين لله، ومن أحب الله أحب لقاءه فاستغرق في الاستعداد لذلك بالعمل الدؤوب زاهدًا في الدنيا.
وإن من يصل إلى الأنس بالله تعالى يجد حياةً سعيدة وقناعةً ورضا، وبركةً لا حد لها، ومحبةً وقبولًا من الناس ويسخرهم الله له، ويمن الله عليه بحسن في أخلاقه ولين في طبعه وحكمة وصواب رأي، وعزة وقوة إذا انتهكت محارم الله، ومضاعفةً في الحسنات، وفوزًا في الآخرة، فهل من عاقلٍ لا يسعى إلى هذا؟
الفكرة من كتاب الأنس بالله تعالى
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِه، ِوَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ”.
في هذا الكتاب، يأخذنا الكاتب أحمد بن ناصر الطيار في رحلة نسعى فيها إلى ذلك الأنس، وتلك السعادة، فنتعرف على طريق الوصول إلى الأنس بالله ومراحله وهي سلامة القلب من الأمراض، والتعلُّق بالله والإقبال عليه، وإحسان العمل والمسارعة في الخيرات، ونتعرف أيضًا على بعضٍ مما يُفتح للإنسان من خير حين يسير في ذلك الطريق.
مؤلف كتاب الأنس بالله تعالى
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وله العديد من المؤلفات، منها: “بوابة الخشوع في الصلاة” و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه” و”حياة السلف بين القول والعمل” و”صناعة طالب علم ماهر” و”صناعة خطيب ماهر”.