لذة العبادات
لذة العبادات
إنك حين تمر -أخي القارئ- بمحطات الطريق التي ذكرناها وتجاهد نفسك فيها يفتح الله لك من أبواب الخير بإذنه، فتجد ثمراتٍ طيبة في عملك مثل خفة العبادات على نفسك وراحتك فيها وتذُوقُ ما يذوقه أهل الإيمان والتقوى من لذة وسعادة في عباداتهم تمحو مشقتها وتعبها.
ستجد الأنس في خلوتك بالله، وستجد في قيام الليل انشراح صدرك ومصدر قوتك وأنت تتدبر القرآن وتناجي ربك والناس نيام، وستجد في تعلُّم العلم وتبليغه فرحة تفوق فرحتك بالأموال والكنوز، وستجد اللذة في التبكير إلى المسجد للصلاة قبل الأذان، ستجد أن كل عبادة كانت في البداية شاقة صعبة قد صارت بالصبر والمجاهدة والاستعانة بالله خفيفة يسيرة تتلذذ بها، يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “فإن السالك في أول الأمر يجد تعب التكاليف ومشقة العمل، لعدم أنس قلبه بمعبوده، فإذا حصل للقلب روح الأنس زالت عنه تلك التكاليف والمشاق، فصارت قرة عين له وقوةً ولذة، فتصير الصلاة قرة عينه، بعد أن كانت عبئًا عليه، ويستريح بها بعد أن كان يطلب الراحة منها، فله ميراث من قوله (ﷺ): “أَرِحْنَا بِالصَّلاةِ يَا بِلالُ”، و”جُعِلَت قُرَّةُ عَيني في الصَّلاةِ”، بحسب إرادته، ومحبته، وأنسه بالله سبحانه وتعالى، ووحشته مما سواه”.
وتتفاوت العبادات قدر ما تحتاج إليه من الصبر والمجاهدة، فإذا قارننا بين الصيام والصلاة مثلًا وجدنا أنه يمكنك اعتياد الصيام بعد مدةٍ يسيرة، وأن تعبه يذهب حين تصبر ابتغاء وجه الله ويألفه بدنك، أما الصلاة بخشوعٍ وطمأنينة فلا تنالها إلا بعد زمنٍ طويل من الصبر والمجاهدة وحضور الذهن، وتعرف أن الصيام هو إمساكٌ عن شهواتٍ محددة، أما الصلاة فهي سجنٌ يحبس النفس عن كل الشهوات وقت إقامتها، وفيها تجتمع كل الأحوال الإيمانية من صبر ومناجاة وتوكل وخشوع وغيرها، وتشترك هاتان العبادتان في عظم أجرهما ومحبة الله لمن يتعبدون بهما، وأن كلتيهما تزكيان النفس وتكسران شهوتها وغرورها.
وتتفاوت أيضًا همم الناس وعزائمهم، وبذلك تتفاوت درجاتهم وما يجنون من ثمرات، فلعلك تكون -أخي القارئ- من أصحاب الهمة العالية والعزيمة الصادقة.
الفكرة من كتاب الأنس بالله تعالى
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِه، ِوَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ”.
في هذا الكتاب، يأخذنا الكاتب أحمد بن ناصر الطيار في رحلة نسعى فيها إلى ذلك الأنس، وتلك السعادة، فنتعرف على طريق الوصول إلى الأنس بالله ومراحله وهي سلامة القلب من الأمراض، والتعلُّق بالله والإقبال عليه، وإحسان العمل والمسارعة في الخيرات، ونتعرف أيضًا على بعضٍ مما يُفتح للإنسان من خير حين يسير في ذلك الطريق.
مؤلف كتاب الأنس بالله تعالى
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وله العديد من المؤلفات، منها: “بوابة الخشوع في الصلاة” و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه” و”حياة السلف بين القول والعمل” و”صناعة طالب علم ماهر” و”صناعة خطيب ماهر”.