يسارعون في الخيرات
يسارعون في الخيرات
المرحلة الثالثة على الطريق إلى الأنس بالله هي إحسان العمل والمسارعة في الخيرات، فكلما سارع المؤمن في الأعمال الصالحة وأحسَن فيها زاده الله وآتاه خيرًا وبركة، ومما يعين على إحسان العمل الصبر على عبادة الله والاصطبار على طاعته، وكذلك الإكثار من العبادات بالقلب والجوارح لما له من فضائل وفوائد مثل انتفاع أكبر بمواعظ القرآن وأخباره، يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ فِي هَٰذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ﴾، وأيضًا لنيل السعادة والطمأنينة.
ولكننا يجب أن نوازن ونتذكر أن أحب العمل إلى الله أدومه وإن قل، ولا ينبغي أن نهتم بالإكثار على حساب الإتقان والإحسان في العمل، أما حسن العمل فأن يكون خالصًا لله وعلى سنة رسوله (ﷺ) وأن يصل إلى قلب فاعله، فأعمالنا لا تنفع الله بشيء أو تضره سبحانه، فهو الغني عن عباده، وإنما هي لصلاحنا وتزكية نفوسنا، فإن لم تعد علينا بزيادة الإيمان والنفع فقد ضيعنا مقصودها، ولا نسعى إلى العمل الحسن فقط بل إلى أحسنه وأكمله، فسرُّ تفوُّق الناجحين وسمة الطامحين سعيهم إلى القمم.
ولنحذر في سيرنا إلى الله من خلط الأولويات بتقديم النوافل على الفرائض، ومن التهاون والتكاسل، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ﴾، فإن المرء حين يتهاون في الأمر إذا حضر وقته ثبطه الله وأقعده عن العمل بما يرضيه عقوبةً له، أما سرعة الاستجابة فثمرتها الثبات، إذًا لنعتني بإقامة الصلاة وقراءة القرآن وتدبرهما ففيهما حياة القلب وصلاحه.
واعلم -أخي المؤمن- أن الناس مع العبادات صنفان، بعضهم يأتي بالعبادات خوفًا من العقاب ورجاءً للثواب فقط، أو طلبًا لحصول خير وزوال شر، فإن لم تتحقق رغبته أو تأخر الفرج يتضجر ويتكاسل أو يتكلف في القيام بالعبادات وهي شاقة عليه يجر نفسه جرًّا أو لا يعترف بتقصيره ولا يتضرع إلى الله ليتقبل منه، أما الصنف الآخر فيؤدي العبادات حبًّا لله وفرحًا به، متلذذًا بها معترفًا بتقصيره، ممتثلًا لأمر الله لا ينتظر مقابلًا دنيويًّا لعبادته ولسان حاله يقول: “أنا عبدك فما أعطيتني فهو محض كرمك وجودك وفضلك، وإن منعتني فهذا بذنبي وتقصيري وعدلك”.
الفكرة من كتاب الأنس بالله تعالى
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِه، ِوَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ”.
في هذا الكتاب، يأخذنا الكاتب أحمد بن ناصر الطيار في رحلة نسعى فيها إلى ذلك الأنس، وتلك السعادة، فنتعرف على طريق الوصول إلى الأنس بالله ومراحله وهي سلامة القلب من الأمراض، والتعلُّق بالله والإقبال عليه، وإحسان العمل والمسارعة في الخيرات، ونتعرف أيضًا على بعضٍ مما يُفتح للإنسان من خير حين يسير في ذلك الطريق.
مؤلف كتاب الأنس بالله تعالى
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وله العديد من المؤلفات، منها: “بوابة الخشوع في الصلاة” و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه” و”حياة السلف بين القول والعمل” و”صناعة طالب علم ماهر” و”صناعة خطيب ماهر”.