أقبل على الله بكل جوارحك
أقبل على الله بكل جوارحك
بعد التخلية تأتي التحلية في المحطة الثانية على الطريق إلى الأنس بالله، فمتى فرغ القلب من المفسِدات وسلِم من الأمراض بدأ يمتلئ بما يُضادها من الإيمان واليقين والإقبال على الله، وثمة أمورٌ تعين على ملء القلبِ بذلك، من أهمها الإخلاص التامُّ في العمل، ويتحقق بأمرين هما تصفية العمل من مراعاة الناس وملاحظتهم، وأن يكون الدافع إلى العمل حب الله ورجاء ثوابه ورضوانه سبحانه، ونفهم من ذلك أن من يقوم بالأعمال الصالحة دون نية لا يكون مخلصًا.
فالإخلاص لا يعني ترك الرياء وحسب بل يتضمن أيضًا إقبال العبد على العمل الصالح بقلب محب لربه راجٍ لثوابه يخشى عقابه، وقد يؤدي المرء عملًا أمام عشرات الناس مخلصًا، وقد يعمل في خلوته لا يخلص فيه، لذا على المرء أن ينتبه لنيته ولحال قلبه، وليحرص على الخشوع فهو مما يعين على التعلُّق بالله والإقبال عليه أيضًا، ويعني الخشوع أن يكون المسلم ذليلًا خاضعًا لله، مستجيبًا لأوامره ونواهيه، مسارِعًا إلى مرضاته، يرقُّ قلبه ويوجل إذا ذكر الله أو تُليت عليه آياته، يقول تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ﴾.
ومما يعين كذلك أن ينظر المرء إلى المنعِم لا إلى النعمة فقط، فحالُ المؤمن الصادق ليست كحال أغلب الناس الذين ينشغلون بالفرح بالنعمة عن الفرح بالمنعِم جل وعلا، بل يكون فكره وقلبه مشغولين بالمنعِم سبحانه، ولا يكون حبه له لأجل نعمه عليه فقط بل لما هو سبحانه أهلٌ له، وإن من ينشغل بالنعمة عن المنعم في الرخاء انشغل بالبلاء عن المبتلِي في الشدة، فكانت حياته ممتلئة بالشقاء، يخاف زوال النعمة وييأس من زوال البلاء، بعكس من تعلق بالله وانشغل به فكره وقلبه في النعمة والبلاء، فكان في سعادة دائمة بمعرفة الحق سبحانه.
ويغذي المؤمن يقينه بالله بتدبر آياته في القرآن الكريم، وتدبر آياته في الآفاق والأنفس، وبالعمل بما يتعلم.
الفكرة من كتاب الأنس بالله تعالى
يقول الإمام ابن القيم -رحمه الله-: “فَفِي الْقَلْبِ شَعَثٌ، لَا يَلُمُّهُ إِلَّا الْإِقْبَالُ عَلَى اللَّهِ. وَفِيهِ وَحْشَةٌ، لَا يُزِيلُهَا إِلَّا الْأُنْسُ بِهِ فِي خَلْوَتِهِ، وَفِيهِ حُزْنٌ لَا يُذْهِبُهُ إِلَّا السُّرُورُ بِمَعْرِفَتِهِ وَصِدْقِ مُعَامَلَتِه، ِوَفِيهِ قَلَقٌ لَا يُسَكِّنُهُ إِلَّا الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ، وَالْفِرَارُ مِنْهُ إِلَيْهِ”.
في هذا الكتاب، يأخذنا الكاتب أحمد بن ناصر الطيار في رحلة نسعى فيها إلى ذلك الأنس، وتلك السعادة، فنتعرف على طريق الوصول إلى الأنس بالله ومراحله وهي سلامة القلب من الأمراض، والتعلُّق بالله والإقبال عليه، وإحسان العمل والمسارعة في الخيرات، ونتعرف أيضًا على بعضٍ مما يُفتح للإنسان من خير حين يسير في ذلك الطريق.
مؤلف كتاب الأنس بالله تعالى
أحمد بن ناصر الطيار: داعية سعودي، وخطيب جامع عبد الله بن نوفل بالزلفي، نشط على مواقع التواصل الاجتماعي، وله العديد من المؤلفات، منها: “بوابة الخشوع في الصلاة” و”حقوق الصديق وكيف تتعامل معه” و”حياة السلف بين القول والعمل” و”صناعة طالب علم ماهر” و”صناعة خطيب ماهر”.