الحرب والإذلال
الحرب والإذلال
هناك علاقة وطيدة بين الحرب والعلاقات الدولية، وكذلك الحرب والتفاوض في ذاكرة الأوروبيين، لأن هذين العاملين يحتضنان التوازن الإقليمي الدائم، فقانون الحرب هو الذي يحدد من الطرف الوضيع ومن الطرف صاحب المكانة، ومن هنا تم تحريف مفهوم “الحرب العادلة” عن طريق تحريف توظيفها، فميكيافيلي كان يرى أن الحرب تكون عادلة بالنسبة لمن يراها ضرورية، وبالتالي فإن الدولة هي التي تحدد مشروعية الحرب وقانونيتها، فالحرب يكون هدفها مواجهة الشر من أجل الخير، فيصبح العدو بناءً على ذلك بغيضًا ومجرمًا، ويكون مآله هو الإذلال كما في حالة شنق “صدام حسين” وتصويره بأنه هتلر الشرق الأوسط، فالحرب في مفهومها الجديد أصبح هدفها التجريم، إذ تتم محاربة أمم توصف بأنها “متوحشة” من أجل دفعها نحو تبنِّي مبادئ الحضارة الغربية، وتلك ذريعة تخفي وراءها طمع الآخرين؛ وبالتالي يتم إنكار الآخر والحط من مكانته، فيترتب على تلك الحروب التي تقوم على الإذلال الكره والغضب، ما يولد أعمال عنف جديدة.
كان الغرب يثمِّن ويشتري كلًّا من الحرير والشاي الصينيين، لكن في المقابل لم تكن الصين على استعداد أن تشتري أي شيء من الغرب، فأراد الغرب إعادة التوازن إلى الميزان التجاري، وكان ذلك عن طريق تنشيط تجارة “الأفيون” وترويجها في الصين، رغم أن تلك التجارة كانت محظورة في أوروبا! وبالتالي لم يكن الانفتاح على الصين يخضع لاعتبارات إنسانية، أو دبلوماسية، بل كان يخضع لمبدأ “عدم المعاملة بالمثل”، فالمخدرات التي كانت شرًّا بالنسبة للأوروبيين وكانت القوانين الأوروبية تحظرها، كانت تعدُّ خيرًا إذا ابتاعها آخرون مثل الصينيين! من هنا يتم اللجوء إلى القوة لإرغام الآخرين على دخول لعبة غير متكافئة من أجل تحقيق اللامساواة التي يفوح منها رائحة العنصرية، فترتب على إصدار إمبراطور الصين قرار بإحراق صناديق الأفيون نشوء حرب “الأفيون الأولى” بين الغرب والصين، وكذلك اندلعت حرب “الأفيون الثانية” عندما قامت الصين بتفتيش السفن البريطانية التي كانت تحمل الأفيون، فكانت تلك الأحداث وما نجم عن تلك الحروب نوعًا من الإذلال، فأطلقت الصين على القرن التاسع عشر “قرن الإذلال الوطني”.
الفكرة من كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية
يتكلم الكاتب عن باثولوجيا (أمراض) العلاقات الدولية التي تدفع نحو الإذلال؛ هذا الإذلال الذي يعرض المجتمعات إلى اضطرابات تؤدي إلى نزاعات اجتماعية شديدة في الحياة الدولية المعاصرة، فقد كان لتعدد الثقافات واختلافها ردة فعل طبيعية من جانب العولمة، فتم إقصاء ووصم جميع الثقافات المخالفة لها، ما خلق نوعًا من الإذلال الذي ضيَّق من إمكانية أن يحظى الآخر بموضع قدم في النظام العالمي، وظهرت مجموعة من النماذج في العلاقات الدولية هدفها الحط من مكانة الغير، وعدم الاعتراف بحقوقه، والتنكُّر لمبدأ المساواة، ما أدَّى إلى التنكُّر لاختلافه وتميزه، فباسم نظرية عالمية أصبحت الغيرية مرفوضة، ولا بد أن تخضع لمقاييس الأقوياء، ومن هنا يعد الإذلال عنصرًا أساسيًّا في بنية العلاقات الدولية، ما يعني أننا نعيش في زمن المذلولين.
مؤلف كتاب زمن المذلولين.. باثولوجيا العلاقات الدولية
برتران بديع : هو أستاذ العلاقات الدولية في “معهد العلوم السياسية” في باريس، شغل منصب رئيس المجلس العلمي للمعهد الفرنسي للشرق الأدنى بين عامي (2004 – 2012)، له العديد من المؤلفات، تم ترجمة معظمها، منها:
سوسيولوجيا الدولة.
الدولتان: السلطة والمجتمع في الغرب وبلاد الإسلام.
دبلوماسية التواطؤ.
الدبلوماسي والدخيل.
عجز القوة.
معلومات عن المترجم:
جان ماجد جبور: هو باحث ومترجم، يشغل منصب أستاذ في الجامعة اللبنانية، وله كتب من تأليفه، ومن بينها:
المنجد الفرنسي – العربي الكبير.
كما أن له عددًا من الكتب المترجمة، من بينها:
القيم إلى أين؟
الخوف من البرابرة.
اللقاء المعقد بين الغرب المتعدد والإسلام المتنوع.
الإسلام ولقاء الحضارات في القرون الوسطى.