لماذا ترضى الدنية؟
لماذا ترضى الدنية؟
من الأفهام المغلوطة التي يرى الكاتب أنها أسهمت في عدم أداء الصلاة دورَها المطلوب وضع الحديث الشهير الوارد في صحيح البخاري عن الأعرابي الذي سأل النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام، فأخبره أنه خمس صلوات في اليوم والليلة وصوم رمضان وأداء الزكاة، وليس عليه غيرها إلا أن يَتطوَّعَ، فانصرف الرجل وهو يقول إنه لن يزيد عليها ولن ينقص، فرد النبي: “أفلح إن صدق”.
صار هذا الحديث -الصحيح بلا شك- مركزيًّا في ليس فقط في أداء الصلاة، بل في نظرتنا إلى حياتنا كلها، فما عدنا نرضى سوى بأقل القليل، مع أن هذا الحديث يمثل حالة معينة خاصة بالسائل ربما لا يناسب التعميم، فالنبي (صلى الله عليه وسلم) رد عليه ولم يذِع الأمر على كل الناس، وحتى رواة الحديث لم ينقلوا عن الرجل أكثر من كونه أعرابيًّا جاء يسأل عن الإسلام.
كان الأعراب يمثلون عائقًا في وجه الدعوة الجديدة لاختلافها مع أسلوب عيشهم الذي لا يخضع لأية مركزية كانت، فكان الواجب تحييد هذا الخطر بالتدريج ونقلهم خطوة خطوة نحو المدنية التي أتى بها الإسلام، ويُعتَبرُ التزام الأعرابي بالفروض الأساسية إنجازًا كبيرًا وسيفلح حينها، لكن حتى لو كان صدق فعلم ذلك عند علام الغيوب لأن الأعرابي ظل مجهولًا.
أما نزع الحديث من هذا السياق وتعميم الأعرابي كقدوة وتعميم عبارته الخشنة: “لا أزيد ولا أنقص” فهذا خطأ كبير، فليس هذا يناسب الجميع، ولا ناسب الصحابة (رضوان الله عليهم) الذين قادوا العالم بفهم أوسع وأشمل للعبادات والشريعة، ولو أنهم أخذوا بنفس الفهم لربما تغيَّر مسار التاريخ عمَّا نعرفه كثيرًا.
إن الذي يرضى بأقل القليل، مع أن في استطاعته فعل الكثير، قد رضي لنفسه أن يعيش أبدًا على الهامش محني الظهر لا يرى أفقًا أعلى من توقُّعاته الوطيئة، ولا يحق له أن يتعجَّب إذا انحدر حاله إلى الحضيض، فهو قد حدَّد لنفسه ذلك من البداية، وفي الحديث الشريف: “إذا سألتم اللهَ الجنةَ فاسألوه الفِردوسَ”.
الفكرة من كتاب المهمة غير المستحيلة الصلاة بوصفها أداة لإعادة بناء العالم
“كان من المؤلم جدًّا أن الناس لا يصلون.. ولكنه كان من المؤلم أكثر، أنهم إذا صلوا، ربما لا يتغيرون..”!
يهدف الكاتب في هذا الكتاب إلى توضيح دور الصلاة ليس فقط لكونها شعيرة أساسية للدين، وإنما تمتد لتشمل حياة الفرد المسلم كلها، والتي إذا تم تطبيقها كما شرعها الله (عز وجل) فإنها سوف تحدث تغييرًا شاملًا في حياة الفرد والأمة.
مؤلف كتاب المهمة غير المستحيلة الصلاة بوصفها أداة لإعادة بناء العالم
الدكتور أحمد خيري العمري: طبيب أسنان عراقي المولد، صدر له العديد من المؤلفات التي تقدم رؤية جديدة تتجاوز الجمود السائد وتتحفَّظ ضد التجديد المنحل، ومن أهمها: “البوصلة القرآنية”، و”استرداد عمر من السيرة إلى المسيرة”، وسلسلة “كيمياء الصلاة”، بالإضافة إلى بعض الأعمال الروائية مثل “كريسماس في مكة”، و”بيت خالتي”.