كيف تلقى السنن القبول عند المسلمين؟
كيف تلقى السنن القبول عند المسلمين؟
إن العامل الأساسي لتغيير ما بأنفس المسلمين خاصةً، أن يرتبط شكل التغيير بالقرآن والسنة، ولن يتمكَّن التغيير في نفوسهم في المرحلة الأولى على الأقل إلا بما يقدسونه، فالحالة النفسية والتخلف العلمي والجهل الذي يعيشه المسلمون الآن يحول بينهم وبين إدراك السنن الكونية، أو إدراك أهمية تتبُّعها وكأنهم في حالة من الدروشة، والجاهل يطمئن حيث لا توجد طمأنينة، ويقلق حيث لا يوجد قلق، ويتفاجأ ويحتار إذا أصابته مصيبة، وكما يقول محمد إقبال: “إن كعبتنا عامرة بأصنامنا، وإن الكفر ليضحك من إسلامنا، وإن شيخنا قامر بالإسلام في عشق الأصنام، هو في سفر دائم مع مريديه، وفي غفلة عن حاجات أمته، وواعظنا إلى الصنم ناظر، ومفتينا بالفتوى يتاجر”.
وهذا كله بعيد عن الحقيقة التي يدعو إليها القرآن من البحث خارجه لتحقيق بعض أوامر الله ﴿أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا﴾، ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ﴾، ﴿عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ﴾، فماذا يحدث بعد أن يهلك العدو، هل نعد لسؤال الاستخلاف إجابة عملية؟
إن الذين لا ينتبهون لما ينقصهم وفقًا للسنن، الفارغين من الفهم والفارغين عن إدراك الحقيقة، لا يمكنهم أن يتفادوا المصيبة قبل وقوعها.
إن تعطيل العقل عند المسلمين يدخلهم في حالة من العبث عجيبة وغريبة، ويخلطون بين ما هو من سلطان الله، وبين ما يعد تمكينًا منحهم الله إياه، بل إنه ليحطَّ من قدرات نفسه ويعطلها زاعمًا أنه يبقي العظمة لله، وكأن عجزه هو الذي يثبت ذلك، وهذا عين الجهل، والغفلة والإعراض عن سنن التمكين والتسخير التي جعلها الله للإنسان في هذا الكون.
وحين تختفي السنن تحلُّ مكانها تقاليد الآباء، وحين يتضاءل دور العقل، يكبر الهوى ليقود، ويحصل الإعراض والعمى، ويكذب من يكذب ويغفل من يغفل.
الفكرة من كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
في هذا الكتاب يبحث الكاتب القانون الإلهي “حتى يغيروا ما بأنفسهم” الذي ورد في سورتي الأنفال والرعد، ويعمل فكره ليكشف لنا ماهية سنة التغيير، وهل هي سنة تخصُّ المسلمين فقط؟ وكيف نصل إلى التغيير الاجتماعي المطلوب؟ وكيف نتحرَّر من أوهام الأفكار التي صنعناها وجعلناها مقدَّسة؟
فكما يقول مالك بن نبي في تقديمه للكتاب: “إن الكاتب يحاول تخليص القارئ من الحتمية التي يقيِّدها به القانون”، فمثلًا الجاذبية الأرضية قانون حتمي، ولكن كيف طار الإنسان!
إن القانون لا يعني استحالة مطلقة ولكنه تحدٍّ بحاجة إلى استجابة، وهكذا التاريخ والمجتمعات وفعل التغيير فيها، ففكرة تغيير النفوس تجعلنا نتجاوز سببية وحتمية توينبي أو هرم الدولة عند ابن خلدون.
مؤلف كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
جودت سعيد هو مفكِّر سوري من مواليد عام 1931م بقرية بئر عجلان في الجولان السورية، يعتبر امتدادًا لفكر مالك بن نبي ومحمد إقبال.
سافر إلى مصر ليتعلَّم بالأزهر الشريف أتمَّ الثانوية العامة هناك، ثم التحق بكلية اللغة العربية وتخرَّج فيها، والتقى مالك بن نبي في مصر وأعجب كثيرًا بأفكاره وتأثَّر بها.
يعدُّ جودت سعيد من دعاة اللاعنف في العالم الإسلامي، لدرجة أنه سُمِّي بغاندي العرب، يحاول أن ينطلق من القرآن في دراساته، ويدعو إلى إعمال العقل، وإلى بحث المشتركات الإنسانية.
من مؤلفاته: “مذهب ابن آدم الأول”، و”فقدان التوازن الاجتماعي”، و”حتى يغيِّروا ما بأنفسهم”، و”العمل قدرة وإرادة”، و”الإنسان حين يكون كلًّا وحين يكون عدلًا”، و”اقرأ باسم ربك الأكرم”، و”كن كابن آدم”، و”رياح التغيير”.