العقاب الجماعي لعدم الجادين
العقاب الجماعي لعدم الجادين
كم نجد في إطار العاملين من هو صادق مخلص، مستعدٌّ للتضحية بنفسه وماله، ولكن إذا طلبنا أناسًا يتحمَّلون طريق فهم السنن وإدراكها، عندهم من الصبر والجلد ما يزيحون به غشاوة الجهل عن أنفسهم وعن المجتمع، لكي يستطيعوا إخراج حلول جادة لمشاكلنا لا تجد أحدًا، فقرار التضحية بالنفس والمال قد يكون في لحظة ثورية، أما قرار العلم والتعلم فيحتاج إلى سنين طويلة من الصدق والصبر، ولكن لا يكفي ولن يكفي أبدًا الإخلاص لحل مشاكلنا وللخروج من أزمتنا، فالإخلاص يتطلَّب صوابية والصوابية لن تأتي إلا بفهم واتباع السنن المودعة في الكون، وهنا لا بد من التنبيه أن محاسبة الدنيا محاسبة جماعية، أما الآخرة ففردية، ما معنى هذا الكلام؟
يقول الله تعالى: ﴿وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً﴾، والآية التي هي عنوان الكتاب ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾، ويقول (صلى الله عليه وسلم) حينما سُئل: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: “نعم، إذا كثر الخبث”، فكل هذه الآيات تبين أن المجتمع كُله قد عمَّه الجزاء، حتى الصالحين منهم لأن الحساب هنا جماعي دنيوي خاضع لسنن الله التي أودعها في كونه وسخَّرها للإنسان سواء كان مسلمًا أم غير مسلم، أما حساب الآخرة فشيء آخر، ﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾، ﴿وَنَرِثُهُ مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا﴾.
فمن طبيعة السنة والقانون أنه للبشر عامة، وليس المسلمون في هذا استثناءً، بل من يبحث عن الاستثناء وكأنه يبحث عن قداسة ومكانة تحصل بعدم الخضوع للسنن العامة، وكيف يكون هذا وقد قال الله: ﴿سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾، فإننا لا ننكر أن للمسلم خصوصية ومكانة، وأن لأمة الإسلام فضل الخيرية واتباع المنهج القويم، وندرك أن الله معه ينصره ويؤيده، ونؤمن بوعده له ﴿وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ﴾، ولكن يقيِّده الفهم الكامل الذي يستوجب الأخذ بأسباب النصر والنظر إلى المشكلات في إطار سنن الاجتماع، وليس في إطار العقيدة والإيمان فقط.
الفكرة من كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
في هذا الكتاب يبحث الكاتب القانون الإلهي “حتى يغيروا ما بأنفسهم” الذي ورد في سورتي الأنفال والرعد، ويعمل فكره ليكشف لنا ماهية سنة التغيير، وهل هي سنة تخصُّ المسلمين فقط؟ وكيف نصل إلى التغيير الاجتماعي المطلوب؟ وكيف نتحرَّر من أوهام الأفكار التي صنعناها وجعلناها مقدَّسة؟
فكما يقول مالك بن نبي في تقديمه للكتاب: “إن الكاتب يحاول تخليص القارئ من الحتمية التي يقيِّدها به القانون”، فمثلًا الجاذبية الأرضية قانون حتمي، ولكن كيف طار الإنسان!
إن القانون لا يعني استحالة مطلقة ولكنه تحدٍّ بحاجة إلى استجابة، وهكذا التاريخ والمجتمعات وفعل التغيير فيها، ففكرة تغيير النفوس تجعلنا نتجاوز سببية وحتمية توينبي أو هرم الدولة عند ابن خلدون.
مؤلف كتاب حتى يغيِّروا ما بأنفسهم
جودت سعيد هو مفكِّر سوري من مواليد عام 1931م بقرية بئر عجلان في الجولان السورية، يعتبر امتدادًا لفكر مالك بن نبي ومحمد إقبال.
سافر إلى مصر ليتعلَّم بالأزهر الشريف أتمَّ الثانوية العامة هناك، ثم التحق بكلية اللغة العربية وتخرَّج فيها، والتقى مالك بن نبي في مصر وأعجب كثيرًا بأفكاره وتأثَّر بها.
يعدُّ جودت سعيد من دعاة اللاعنف في العالم الإسلامي، لدرجة أنه سُمِّي بغاندي العرب، يحاول أن ينطلق من القرآن في دراساته، ويدعو إلى إعمال العقل، وإلى بحث المشتركات الإنسانية.
من مؤلفاته: “مذهب ابن آدم الأول”، و”فقدان التوازن الاجتماعي”، و”حتى يغيِّروا ما بأنفسهم”، و”العمل قدرة وإرادة”، و”الإنسان حين يكون كلًّا وحين يكون عدلًا”، و”اقرأ باسم ربك الأكرم”، و”كن كابن آدم”، و”رياح التغيير”.