الصوت بداخلي
الصوت بداخلي
ينتاب الأطفال الشعور بالقلق عند نمو ضميرهم وشعورهم الداخلي بالصواب والخطأ، ويكون ذلك في عمر الخامسة والسادسة، فالطفل يخاف من أن يكون سيئًا، ويزيد الأمر لديه أن تمييزه للصواب والخطأ غير مكتمل، فهو يخشى الإقدام على فعل ما لأنه لا يعلم إن كان سيُوبَّخ عليه أم لا، ويكون الأمر عند البعض بنسبة أكبر من المعتاد تمنعهم من الممارسات العادية، وتعوقهم عن اتخاذ القرارات.
وأول ما يكتسب منه الطفل معاييره للصواب والخطأ هو أمه، فما تقبله الأم حسنٌ، وما ترفضه سيئ، ثم والده وباقي أسرته، وباقي أفراد مجتمعه من حوله، وعدم اتفاق الوالدين أو التناقض بينهما يجعل الطفل مشتتًا للغاية، ويفقده القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، ومما يجعل الطفل يضطرب أيضا أن يُصرَّ والداه على نمط مختلف تمامًا عمن حوله وعن سائر أصدقائه، فيجد نفسه مدفوعًا لمخالفة والديه دون علمهما ليشعر أنه مقبول بين أصدقائه.
يضطرب الطفل أيضًا بسبب تناقض المشاعر، فهو لا يدرك الفرق بين أن تشعر بالغضب تجاه شخص لكنك ما زلت تحبه، فعندما يشعر بالغضب من والديه يشعر بالذنب لأنه غاضب ممن يفترض أنه يحبهم، وعندما تغضب عليه أمه يظن أنها لم تعد تحبه بعد الآن، لذا من المهم أن تؤكد له والدته أنها غاضبة من فعله ولكنها تحبه باستمرار، وبنموِّه يدرك الطفل تلك المفاهيم تدريجيًّا.
وقد يبالغ الوالدان في الحرص على أن يسلك أطفالهم سلوكًا صحيحًا ويضيقوا عليهم، ما يدفع الأطفال إلى طريقين، طريق الخضوع التام، أو طريق التمرد ورفض الانصياع للأوامر، لذا على الوالدين أن يعطوا أبناءهم الفرصة للتجربة، ويتغاضوا عن بعض الأخطاء، فنمو ضمير الطفل بشكل صحي يكون بدافع من الحب لا الخوف، فلو كان بدافع الخوف فقط فسيخالف الطفل ما يُؤمَر به فور أن يقدر على ذلك.
الفكرة من كتاب مخاوف الأطفال
إن أغلب الاضطرابات النفسية قد يكون مردُّها إلى فقدان الطفل الشعور بالأمن، وليس ذلك في الأطفال وحسب، بل وحتى اضطرابات البالغين، وقد نقلِّل من شأن مخاوف الأطفال لصغرها في أعيننا، وقد نمر بأزمة كبيرة ونتجاهل الطفل ظنًّا منا أنه لا يفهم ما يحدث، وقد نسعد بهدوء الطفل دون أن نعلم أن من خلف ذلك الهدوء شبحًا كامنًا في أعماقه.
الخوف من فقد الحب، ومن الوحدة، ومن الظلام، ومن النمو والنضج، وقد لا تتصوَّر أنهم يخافون من أول يوم لهم في هذا العالم، ويكبرون وتكبر مخاوفهم، وما لم يتم احتواؤها فإنها تصبح عائقًا أمام نموِّهم العاطفي والعقلي وحتى الجسدي بشكل صحي، فالتحرُّر من المخاوف هو ما يدفع الطفل لاكتشاف قدراته وتجربتها، فينمو بشكل صحي، فكيف نحمي أطفالنا من الخوف، ليكبروا بنفوس آمنة مطمئنة؟
مؤلف كتاب مخاوف الأطفال
هيلين روس: مارست العلاج النفسي وكانت تدير معهدًا للتحليل النفسي في أمريكا.
معلومات عن المترجم:
الدكتور السيد محمد خيري: حاصل على الدكتوراه في علم النفس، ورئيس سابق لقسم الدراسات النفسية بكلية الآداب جامعة عين شمس، ثم عميدًا للكلية، وهو صاحب كتاب “الإحصاء النفسي”.