هل ما زلت تحبني؟
هل ما زلت تحبني؟
أخطر أنواع الخوفِ ذلك الناتج من فقدان العطف، وتنشأ منه أغلب المخاوف الأخرى، وتظهر أول صورة له في حياة الطفل عندما يشعر بالجوع، إذ يشعر الرضيع تجاه من يمده بالغذاء بالحب، فيكون الغذاء مرتبطًا لديه بالعطف والرعاية، لذا فإن الأمهات اللاتي يتعجَّلن في إرضاع أطفالهن، أو يهملن إطعامهم، يسبِّبن للطفل أول شعور بالقلق في حياته، القلق من نقص الغذاء، والقلق من فقد الرعاية والعاطفة.
وأكبر تهديد بالنسبة للطفل هو الانفصال عن والدته، فالأم تمثل لديه مصدر الرعاية والحماية، وهو يخال أن من يذهب لا يعود مطلقًا، حتى لو كانت الأم في حمام المنزل فقط، وقد نُقِلت والدة فتاة في الخامسة من عمرها إلى المشفى فجأة، فتصوَّرت أن أمها رحلت لأنها لم تكن مطيعة، فأصبحت منطوية تجاهد لتمنع نفسها من الخطأ حتى لا تتركها والدتها ثانيةً، والانفصال الطويل عن الطفل دون تهيئة نفسية كافية يسبِّب له قلقًا يصعب معالجته، لذا علينا طمأنة الطفل باستمرار أننا لن نتركه أبدًا، وأن نؤكد له أننا سنعود بعد وقت قصير، وأن هناك من سيرعاه أثناء غيابنا، ومن أسوأ ما قد يفعله الوالدان هو تهديد الطفل بالرحيل عنه.
والطفل بحاجة إلى أن يكون محبوبًا، وشعوره بأنه محبوب يبدأ منذ ولادته، حين يلتمس فرحة والديه بقدومه إلى العالم، ويلتمس دفئهم وعطفهم عليه ورعايتهم له، والطفل يخاف دومًا من أن يفقد حب والديه، وإذا لم يمنح حبهما ويطمئن به فإن خوفه من فقدان الحب يلازمه بقية حياته، وقد لا يشعر بالثقة في نفسه أبدًا حتى بعد أن يكبر، ويشبه هذا الشعور بالنبذ في أثره طلب الكمال من الأبناء، الذي يُشعر الطفل أنه مهما فعل فلن يحظى برضا والديه، فيتوقَّف عن المحاولة.
الفكرة من كتاب مخاوف الأطفال
إن أغلب الاضطرابات النفسية قد يكون مردُّها إلى فقدان الطفل الشعور بالأمن، وليس ذلك في الأطفال وحسب، بل وحتى اضطرابات البالغين، وقد نقلِّل من شأن مخاوف الأطفال لصغرها في أعيننا، وقد نمر بأزمة كبيرة ونتجاهل الطفل ظنًّا منا أنه لا يفهم ما يحدث، وقد نسعد بهدوء الطفل دون أن نعلم أن من خلف ذلك الهدوء شبحًا كامنًا في أعماقه.
الخوف من فقد الحب، ومن الوحدة، ومن الظلام، ومن النمو والنضج، وقد لا تتصوَّر أنهم يخافون من أول يوم لهم في هذا العالم، ويكبرون وتكبر مخاوفهم، وما لم يتم احتواؤها فإنها تصبح عائقًا أمام نموِّهم العاطفي والعقلي وحتى الجسدي بشكل صحي، فالتحرُّر من المخاوف هو ما يدفع الطفل لاكتشاف قدراته وتجربتها، فينمو بشكل صحي، فكيف نحمي أطفالنا من الخوف، ليكبروا بنفوس آمنة مطمئنة؟
مؤلف كتاب مخاوف الأطفال
هيلين روس: مارست العلاج النفسي وكانت تدير معهدًا للتحليل النفسي في أمريكا.
معلومات عن المترجم:
الدكتور السيد محمد خيري: حاصل على الدكتوراه في علم النفس، ورئيس سابق لقسم الدراسات النفسية بكلية الآداب جامعة عين شمس، ثم عميدًا للكلية، وهو صاحب كتاب “الإحصاء النفسي”.