من الكهولة إلى الشيخوخة
من الكهولة إلى الشيخوخة
لم يثبت ما يُسمى بـ”أزمة منتصف العمر”، بل تثبت الدراسات أن المرحلة بين الخامسة والثلاثين إلى الخامسة والخمسين هي أفضل مرحل الرشد على الإطلاق، بل هم أكثر حكمة ونضجًا من المسنين، ومع ذلك تحدث بعض المشكلات مثل اكتئاب ما بعد سن اليأس في النساء والضعف النسبي للقدرة الجنسية في الرجال، وقد حدد توماي أربعة أمور يمكن بتحقيقها مجاوزة أزمات تلك المرحلة، وهي: النجاح المهني لأجل تحقيق الذات والاحترام الشخصي والرضا عن الحياة الزوجية والتوافق مع الواقع والتغلب على الخوف من التغيير دون المساس بالأمن النفسي والمادي.
تبدأ الشيخوخة من سِن التقاعد التي يراها البعض نبع الحكمة وينظر إليها آخرون مظهر الانحلال النفسي والعضوي، والإحساس بالعجز والهرم نسبي؛ وقد ظل برتراند راسل يكتب ويتظاهر في شوارع لندن حتى الثمانينيات، ولكن تحدث تغيرات بيولوجية تؤثر في الصحة العامة والقدرات العقلية، فتنخفض كفاءة الدورة الدموية والقلب والرئتين وتقل الوظائف الحركية والحسية، وتضعف الذاكرة، وكان يُعتقد أن نسبة الذكاء تقل ولكن ثبت خطأ هذا الادعاء، ويرى بعض العلماء أن التدهور المفاجئ لإحدى القدرات العقلية يُعد علامة على اقتراب الموت ويُسمى ظاهرة “الهبوط المفاجئ” ولا تزال موضع بحث بين العلماء، يرى إيركسون أن الأزمة الرئيسة في هذه المرحلة هي أزمة الاكتمال مقابل اليأس، فإن كان الشخص راضيًا عما حققه تقبل فكرة الموت، وإن نظر إليها على أنها بلا مغزى انتابه اليأس بيدَ أن الشخص المؤمن والمرغوب من الأسرة يقل عنده هذا الإحساس.
يميل المسنون إلى المحافظة والسلبية وقلة الميل المغامرة، ورغم سوء هذه الصفات فإن بعضهم يعتبرها تطويرًا للانفعالات لتكون أهدأ مما كانت عليه وقت الشباب، ويضع نيومان ثلاثة أساليب للتكيف مع أزمات الشيخوخة بإعادة توجيه الطاقة وشغل الفراغ بالأنشطة التطوعية والرضا عما حققه وتقبُّل الموت كحقيقة لا بد منها، كما وضعت إليزابيث كوبلر نظرية تقول إن المحتضَر يمر بخمس مراحل هي: الإنكار والرفض، الغضب والغيظ، المساومة، الاكتئاب، وأخيرًا اليقين بأنه لا فائدة من المقاومة، ولكنها تعرضت للنقد لتجاهلها العوامل الأخرى والفروق الفردية.
الفكرة من كتاب الإنسان وعلم النفس
إنَّ ما نعرفه عن الإنسان أقل بكثير مما نعرفه عن العالم المادي، وكم من رجل يستطيع قيادة سيارته بسهولة ولكن ليس له حظ في قيادة ذاته وتقييم تصرفاته، ورغم ذلك باتت بحوث علم النفس تقدِّم اقتراحات لتحسين مستوى الحياة والتعامل مع مشكلات البيئة والمجتمع، وما اجتمع لعالم النفس اليوم يجعله قادرًا على أن يقدم مشورته في كل مجالات الحياة تقريبًا، وأن يعطي استبصارات يمكن توظيفها لخدمة الإنسان في بنائه النفسي والصحي وعلاقاته بالآخرين، ويقدم العالم الجليل الدكتور عبد الستار إبراهيم إطلالة عامة على المراحل التاريخية التي مر بها علم النفس وكيف يتم إنتاج العلم داخل حقل علم النفس الحديث، وتقاطعات أبحاثه مع أطوار الإنسان العمرية المتواترة والمشاكل التي تعترض كل مرحلة، وعلاقته مع البيئة والمكان والمجتمع.
مؤلف كتاب الإنسان وعلم النفس
الدكتور عبد الستار إبراهيم: ولد بالأقصر عام ١٩٣٩، وتخرج في قسم علم النفس جامعة عين شمس، وحاز الدكتوراه من جامعة القاهرة، وعمل زميلًا زائرًا بجامعة ميشيغان بأمريكا، ومستشارًا نفسيًّا لعدد من العيادات النفسية في مصر والولايات المتحدة، ويعمل حاليًّا أستاذًا بجامعة الملك سعود بالمملكة العربية السعودية، وله بحوث منشورة في عدد من المجلات العربية والأجنبية، وله مؤلفات منها:
– علم النفس الإكلينيكي في ميدان الطب النفسي.
– السعادة في عالم مشحون بالتوتر وضغوط الحياة.