الوساطة في الحركات الإسلامية اليوم وكيفية الخلاص
الوساطة في الحركات الإسلامية اليوم وكيفية الخلاص
لم تنجُ الحركات الإسلامية المعاصرة من وجود الوساطة حائلًا بينها وبين النصوص الشرعية، ولاتساع الرقعة وتنوع الثقافات أصبحت كل حركة تصبغ آراءها وتصوراتها بصبغة قدسية كما حصل على مر التاريخ، لكنها اليوم بشكل أوسع وأكبر وأظهر لاختلاف الظروف وتعدد الوسائل التي يمكن بها أن تصل إلى رقعة تأثيرية أكبر، وأضحت كل حركة تتعصَّب لأقوال مؤسيسها وكتَّابها وتُخضِع الأخرى للفحص تحت عينها ووفق تصوُّرها لا وفق تصوُّر الكتاب والسنَّة، فنتج عن ذلك ما نحن عليه اليوم من تمزُّق وخلاف فكري، وهذا أمر طبيعي لأنه كلما كانت المرجعية والمصدر بشريًّا متغيرًا اختلف وتغاير المتأثرون به، إضافةً إلى أن ما كان من رأي صالح في زمان ومكان معين فلن يكون صالحًا لكل الأزمنة والأمكنة لطبيعة تلك النصوص البشرية الاجتهادية بخلاف النص الشرعي قطعًا.
وكما أنه من المستحيل أن يتفاهم العربي والأوروبي بغير مترجم أو لغة واحدة تجمعهما، فمن المستحيل أن تتفق الحركات الإسلامية وتتناغم فيما بينها منتجة كوادر مستقلة رائدة بغير أن توحِّد المصدر الذي تنطلق منه وتعود إليه، بغير واسطة أو حواجز بشرية، وكما يقول الدكتور فريد كيف يكون التخاطب بين رجلين أحدهما يقول: “حدثني فلان عن فلان…” مسنَدًا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، والآخر يقول: “حدثني قلبي عن ربي، أو حدثني قلبي إلهامًا أو مكاشفة”!
والكاتب من وراء ذلك كله لا يهدف إلى هدم الإنتاج الإسلامي كله وعدم الاستفادة منه ولا إلى تضييق الخناق على العقل في حصره في مجال معين وإنما على العكس تمامًا هو يريد أن يفتح المجال أمام العقل لينطلق في إطار الشريعة الإسلامية فيسهم في عملية التأصيل التوحيدي والبناء العقدي ويساعد على تعاضد الحركات الإسلامية وبناء شخصية تسلك سلوك الجيل القرآني الأول.
نعم قد نختلف في التطبيق أو في إسقاط النصوص الشرعية وتنزيلها على الواقع، لكن المهم ابتداءً أن نضبط التصور الكلي والمنهج العام للتربية، فإن صح المنطق استطعنا بعد ذلك أن نتعامل مع الأفكار والأطروحات الأخرى الفكرية أو الفقهية أو الروحية وأن نفحصها فنأخذ النافع ونسيِّره لصالح النص الشرعي ونصحِّح الضال ونضبطه بحسب رؤية النص الشرعي أيضًا، فالهيمنة للنص والمصدر التشريعي ومُنزِلِه أولًا وآخرًا.
الفكرة من كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
هناك فوارق لطيفة دقيقة للغاية لا ينتبه لها معظم الخلق وتختلف أهميتها باختلاف عواقبها، ونحن هنا أمام فارق دقيق في عملية التربية الدعوية لا يُدرك أثره لمن لا يعلمه ابتداءً إلا بعد أن يقطع شوطًا في التربية فيُفتح عليه فيستدرك كما حصل للكاتب في بعض أمره.
بين التربية والوساطة، وبين التكوين والتلقين، وبين الإعداد والتقليد، هذا البون الذي يعرفنا عليه الكاتب مبكرًا للبعض وربما متأخرًا عند البعض الآخر، هذا البون هو ما يتمايز به القاصدون في النهاية، وربما مبكرًا!
مؤلف كتاب التوحيد والوساطة في التربية الدعوية
الدكتور فريد الأنصاري: وُلد في المغرب وعمل في مجال الدعوة الإسلامية، مدارسةً وتطبيقًا، ولم يحُل ذلك بينه وبين الابتلاء كعامة عباد الله ممن يختارهم الله لهذا، لحكم ومقاصد شتى، فصارع المرض وصارعه المرض حتى غلبه بمستشفى إستانبول بتركيا، ثم نُقِل إلى مسقط رأسه ليُدفن هناك.
له العديد من المؤلفات في مجال الدعوة، ومنها:
مجالس القرآن في ثلاثة مجلدات.
الفطرية، بعثة التجديد المقبلة: من الحركة الإسلامية إلى دعوة الإسلام.
الدين هو الصلاة، والسجود لله باب الفرج.