الإطار الفكري ليس وهمًا
الإطار الفكري ليس وهمًا
لنفترض حدوث مظاهرة بأحد البلدان، وأثناء مرور المتظاهرين بالشوارع أطلَّ الناس من الشرفات للمشاهدة، فجميع هؤلاء الناس يشتركون في شيء واحد، ألا وهو المشاهدة، ولكن كل شخص انطبع في ذهنه شيء مختلف، فالصحفي كل ما يتذكَّره هو أعداد القتلى والمصابين، وذلك الأديب الذي كان يتصيَّد الأخطاء اللغوية في الهتافات لا يتذكر شيئًا عداها، بمعنى أن كل شخص من هؤلاء المتفرجين ينظر إلى الأمر من ناحية ما، مهملًا نواحي عدة، فكل شخص ينظر إلى الأمر من إطار خاص به يُسمى “الإطار الفكري”، وهو ينتج مما توحيه البيئة والمجتمعات، وتغرسها في أعماق عقل الشخص الباطن، ويكون الإنسان متأثًرا به دون أن يدري، فهو يعمل على تقييد نظرته، على الرغم من يقينه الداخلي بأنه حرٌّ في تفكيره، غير مدرك بوجود ذلك الإطار اللاشعوري على فكره، وهنا يكمن الخطر لأنه من الصعب التخلُّص منه إلا نادرًا، فهو إطار لا شعوري، والإنسان لا يستطيع التخلُّص من شيء لا يشعر به.
ولمساعدة الفرد للتعرُّف على ما يُقيِّد عقله، ويعرقل طريق نجاحه، فهو بحاجة إلى إخراج الإطار الفكري من اللاشعور إلى الوعي والشعور، ولفهم تلك القيود في الحقيقة يجب علينا معرفة أن هنالك ثلاثة قيود موضوعة على عقل الإنسان، تتحكَّم في تفكيره وهي: القيود النفسية، فالإنسان يملك نفسًا معقدة بها الكثير من العواطف المشبوهة، والرغبات المكبوتة، تُسبب عقدًا، ونزوات خفية بالعقل الباطن، تتحكم بتفكيره دون أن يشعر، والقيود الاجتماعية، حيث ينتمي الإنسان إلى طائفة ما، ويتعصب لها، والقيود الحضارية، وهي قيود تشترك بها جميع الجماعات داخل حضارة معينة، تتغلغل في اللاشعور عميقًا، يتعوَّدها الفرد، وتُصبح جزءًا لا يتجزأ من أسلوبه بالتفكير.
ومشكلة النزاع البشري هي مشكلة معايير ومناظير، حيث يتنازع الناس في أغلب أمورهم بسبب أن كل شخص ينظر إلى الحقيقة من زاويته الخاصة، ثم يريد من الغير أن يرى مثل ما يراه هو، ولذا فإن العقل البشري متحيِّز بطبيعته، والفرد الطبيعي لا يستطيع التجرُّد في تفكيره مهما حاول، لعجزه عن التخلُّص من القيود المحيطة بطريقته في التفكير، ووحده العبقري هو من يستطيع أن يسمو عن ذلك، ويحلِّق في سماء الإبداع، لإدراكه طبيعة تفكيره المتحيِّزة، ومعرفته متى يكون متحيِّزًا، ولذا فإن التجرُّد المطلق مستحيل، والعبقرية الكاملة غير ممكنة.
الفكرة من كتاب خوارق اللاشعور (أسرار الشخصية الناجحة)
هل سبق وتساءلت يومًا عن الحظ؟ ولماذا هنالك أشخاص يرون أنفسهم على أنهم سيئو الحظ؟ هذا الكتاب يتحدث عن بعض الأمور الغامضة كالحظ، والعبقرية، والتفوق، والنجاح، كما يوضح أثر الحوافز اللاشعورية، التي تحدث بالعقل الباطن، وقدرتها الكبيرة على إحداث تغييرات جذرية في حياتنا، متناولًا ذلك في ضوء النظريات العلمية الحديثة، فهذا الكتاب بمثابة دراسة اجتماعية قيمة للنفس البشرية، توضح أسرار الشخصية الناجحة، وعوامل الإبداع، وأسباب الفشل، في إطار جديد مختلف.
إن اللاشعور لا يعرف التمييز بين الحق أو الباطل، أو بين الصواب والخطأ، فهذا من شأن العقل الظاهر أن يعرفه، فهو عقل الشك والبحث والتفلسف، أما العقل الباطن هو عقل اليقين والعقيدة، وخوارق اللاشعور لا تدل على صحة العقيدة، بقدر ما تدل على قوتها في النفس.
مؤلف كتاب خوارق اللاشعور (أسرار الشخصية الناجحة)
الدكتور علي الوردي (1913: 1995): وُلد في بغداد في مدينة الكاظمية، عمل بالعديد من الوظائف الجزئية محدودة الدخل حتى تخرج في المدرسة الثانوية ونال المرتبة الأولى، ثم حصل على بعثة للجامعة الأمريكية في بيروت، وأتم دراسة الماجستير والدكتوراه في جامعة تكساس الأمريكية، وعُيِّن مدرسًا لعلم الاجتماع في كلية الآداب في جامعة بغداد، وقام بكتابة العديد من البحوث المهمة، والمقالات، والكتب، كما ظهر تأثره الواضح بابن خلدون في علم الاجتماع، وتُوفي بعد صراع طويل مع مرض السرطان عن عمر يُناهز 81 عامًا.
من أهم مؤلفاته:
وعاظ السلاطين.
مهزلة العقل البشري.
الأحلام بين العلم والعقيدة.