مقتضيات التربية على الاستقلال
مقتضيات التربية على الاستقلال
تقتضي التربية على الاستقلال إعطاء الفرصة للأبناء للتعلم من الأخطاء، وهذا يعني عدم فرض وجهات نظرنا عليهم، وإنما يجب أن ندعهم يدركون بأنفسهم ما هو مناسب لهم على حقيقته، عندها يصبح هذا الابن قادرًا على توجيه نفسه وإدارة حياته، ويجب على الأهل من حين إلى آخر أن يتنازلوا عن إشفاقهم الطبيعي على أبنائهم؛ ما دامت مساحة التجربة آمنة، فهناك أمور لن يتعلمها الطفل إلا بالتجربة والخطأ.
ومن مقتضيات الاستقلال أيضًا تسليح الطفل بقدر مقبول من المعرفة يساعده على مواجهة الحياة والسير فيها، وكذلك الامتناع عن الخوف المرضي على الطفل لأنه يمنعه أحيانًا من بوحه بأسراره، فهو يدرك أنه سيُلام على أفعاله، فالحقيقة التي تغيب عن أذهان كثير من الآباء هي أن الطفل بحاجة إلى رعاية دائمة غير مباشرة، أي دون أن يلاحظ ذلك، وكذلك يجب تجاوز صغائر الأمور وعدم السعي وراء استيضاح المواقف التافهة.
ومن مقتضيات التربية على الاستقلال تنشئة طفل متفائل قادر على تفسير الأحداث في إطار أسباب دائمة، عكس الطفل المتشائم الذي يرجع الأحداث إلى أسباب مؤقتة، والأطفال المتفائلون يتوقعون أن الأحداث الإيجابية ستتكرَّر باستمرار، لهذا يحاولون أن يكونوا سببًا فيها، كما أن الطفل المتفائل قادر على النهوض من أي هزيمة، وفي المقابل فإن الأطفال المتشائمين أكثر عرضة للانسحاب الاجتماعي وفقدان التركيز والحساسية المفرطة تجاه أبسط المواقف.
ورغم تأكيد الكاتب ضرورة الالتزام بالحوار الناضج والاستماع لأطفالنا وتبرير ردود أفعالنا لهم، فيجب على الآباء أن يحذروا من الاندماج التام مع أطفالهم، مما قد يدفعهم إلى التصرف بطريقة سلبية في بعض الأحيان، كذلك يجب ألا يجعل الأهل ابنهم أداة لتحقيق النجاح فيما فشلوا فيه، وإنما دورهم التربوي يدفعهم أن يمنحوه الفرص التي يحتاجها، لا التي ينتظرها الآباء للتشفِّي من الماضي .
الفكرة من كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
يفتح هذا الكتاب أعين المربي على بعض الحقائق التي يجب أن يراعيها أثناء عملية التربية، فالتربية ليست علاقة من طرف واحد، وإنما هي عملية تبادلية يتأثر فيها كل طرف بالآخر، ويتعلم فيها الطفل من أبويه والعكس، وإننا نربي أبناءنا مقابل تربيتهم لنا، فالابن قادر على إتمام تربية والديه وإرشادهما بشكل غير مباشر، ولكن تظل العلاقة تحت قيادة المربي.
ويؤكد الكاتب أن الابن ليس خادمًا مجانيًّا، وإنما هبة من الله، وقدر معقول من السلطة الأبوية ضروري لبث شعور الأمن والطمأنينة في نفوس أطفالنا، وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب مقتضيات تربية طفل على الاستقلال وحيثياتها وآثارها الإيجابية في الطفل وفي أبويه، وفي المقابل يعرض الآثار الناتجة عن تربية طفل مطيع لا يناقش، فالآباء الذين يختارون التربية على الطاعة لا النقاش، إنما مالوا إلى هذا الاختيار لتنشئة أبناء قادرين على الاندماج في المجتمع بسهولة ودون معاناة تُذكر.
ويدور الكتاب حول سؤال مركزي؛ ألا وهو: هل نربي أطفالنا على الاستقلال ليناقشونا في كل أوامرنا، أم نربيهم على الطاعة المطلقة دون نقاش؟ ويرى الكتاب أننا يجب أن نقاوم فكرة خلق جيل مماثل لآبائه لا يملك القدرة على التعبير عن نفسه والتصريح بمشاعره وكينونته، وإنما يجب على الآباء والأمهات أن يستسلموا لحقيقة أن أطفالهم سيختارون طريقهم الخاص دون الحاجة إلى جهد خارق من الأبوين.
مؤلف كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
عبدالعزيز الخضراء: كاتب وباحث في المجال التربوي ومستشار أسري، عمل مدرسًا لمادة الرياضيات ثم تخصَّص في أبحاث التربية والتعليم لإيمانه بقدسية مهنة التعليم، مهتم بالإدارة التربوية وترسيخ المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية التي تستهدف إنشاء جيل مبدع صالح وسوي نفسيًّا.
نشر العديد من المقالات في عدة مجلات وصحف تربوية متخصصة، ويعد هذا الكتاب ضمن سلسلة أصدرها الكاتب تحت عنوان “نحن وأبناؤنا”، والتي تتناول عدة كتب أخرى؛ مثل: “الآباء والتربية المعاصرة”، و”التكامل التربوي بين البيت والمدرسة”، و”الأمومة مسؤولية فكيف تمارسينها”، وغيرها من المؤلفات.