لماذا التربية على الاستقلال؟
لماذا التربية على الاستقلال؟
إننا حينما نسمح لأبنائنا بالاستقلال، فإننا ندعوهم إلى تقبُّل خبراتنا، فهي لم تعد سلاحًا يشهر في وجوههم، وإنما هي عامل محفز يساعدهم على الاختيار الشخصي بأقل نسبة من المخاطر المحتملة، وبأعلى نسبة من احتمالات النجاح، ويجب أن تتم التربية على أساس من تقدير المربي لكينونة الطفل وشخصيته المستقلة، دون مغالاة وتفخيم للذات وتعزيز النزعة الفردية لدى الطفل.
كما أن التربية تقوم على تقريب المسافة لتبلغ درجة الصداقة، وعلينا ألا ننكر أن الطفل مهما بلغ من الصغر فإنه يصبو لإبراز ذاته بشتى الطرق المقبولة، ومقدار احترام أبنائنا لنا يعتمد بصورة كبيرة على الثقة التي نمنحهم إياها، ومشاعر الاحترام التي نكنُّها لهم، فنتحول إذن من مجرد آباء إلى أكثر من أصدقاء.
والسلطة الأبوية تقتضي مساعدة الطفل بتوضيح معالم الطريق وليس التحكم فيه، فتربية طفل مستقل لا تعني سلسلة من النواهي، وعادةً ما نسيء فهم اعتراض الأطفال على أوامرنا ونواهينا لنعتبرهم مشاكسين، وبالمقابل فإن تجنب الطفل للاعتراض ينقلنا إلى مشكلة أخرى خطيرة وهي انعدام شخصية الطفل .
وكلما زادت قدرة الطفل على الاستقلال، زاد مستوى سعادته النفسية، واستقلال الابن عن والديه فرصة لإعطائه حريته، والسماح له بعيش مخاطر الحياة، والتربية على الاستقلال لا تعني رفض القواعد، وإنما تظل هذه القواعد مرجعًا، بل إن الشخص المستقل يضع القوانين بنفسه ويلتزم بها.
التربية على الاستقلال ليست أمرًا اختياريًّا، لأن الشخص عندما يوضع في موضع اتكال، فإنه يشعر بالعجز والإحباط، لكن الجيد في الأمر أن فرص دعم الاستقلالية تتجلَّى في أبسط الممارسات، كإظهار الأهل الاحترام لاختيارات أبنائهم، فقدرة الطفل على الاختيار تعني أنه قادر على ضبط حياته الخاصة، كما يقلل احتمالية امتعاضه بنسبة كبيرة .
الفكرة من كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
يفتح هذا الكتاب أعين المربي على بعض الحقائق التي يجب أن يراعيها أثناء عملية التربية، فالتربية ليست علاقة من طرف واحد، وإنما هي عملية تبادلية يتأثر فيها كل طرف بالآخر، ويتعلم فيها الطفل من أبويه والعكس، وإننا نربي أبناءنا مقابل تربيتهم لنا، فالابن قادر على إتمام تربية والديه وإرشادهما بشكل غير مباشر، ولكن تظل العلاقة تحت قيادة المربي.
ويؤكد الكاتب أن الابن ليس خادمًا مجانيًّا، وإنما هبة من الله، وقدر معقول من السلطة الأبوية ضروري لبث شعور الأمن والطمأنينة في نفوس أطفالنا، وفي هذا الكتاب يستعرض الكاتب مقتضيات تربية طفل على الاستقلال وحيثياتها وآثارها الإيجابية في الطفل وفي أبويه، وفي المقابل يعرض الآثار الناتجة عن تربية طفل مطيع لا يناقش، فالآباء الذين يختارون التربية على الطاعة لا النقاش، إنما مالوا إلى هذا الاختيار لتنشئة أبناء قادرين على الاندماج في المجتمع بسهولة ودون معاناة تُذكر.
ويدور الكتاب حول سؤال مركزي؛ ألا وهو: هل نربي أطفالنا على الاستقلال ليناقشونا في كل أوامرنا، أم نربيهم على الطاعة المطلقة دون نقاش؟ ويرى الكتاب أننا يجب أن نقاوم فكرة خلق جيل مماثل لآبائه لا يملك القدرة على التعبير عن نفسه والتصريح بمشاعره وكينونته، وإنما يجب على الآباء والأمهات أن يستسلموا لحقيقة أن أطفالهم سيختارون طريقهم الخاص دون الحاجة إلى جهد خارق من الأبوين.
مؤلف كتاب أولادنا بين التبعية والاستقلال
عبدالعزيز الخضراء: كاتب وباحث في المجال التربوي ومستشار أسري، عمل مدرسًا لمادة الرياضيات ثم تخصَّص في أبحاث التربية والتعليم لإيمانه بقدسية مهنة التعليم، مهتم بالإدارة التربوية وترسيخ المفاهيم الأخلاقية والاجتماعية التي تستهدف إنشاء جيل مبدع صالح وسوي نفسيًّا.
نشر العديد من المقالات في عدة مجلات وصحف تربوية متخصصة، ويعد هذا الكتاب ضمن سلسلة أصدرها الكاتب تحت عنوان “نحن وأبناؤنا”، والتي تتناول عدة كتب أخرى؛ مثل: “الآباء والتربية المعاصرة”، و”التكامل التربوي بين البيت والمدرسة”، و”الأمومة مسؤولية فكيف تمارسينها”، وغيرها من المؤلفات.