فقه اللسان العربي وفقه الواقع
فقه اللسان العربي وفقه الواقع
أما الأصل الثالث من الأصول الأربعة للعالِمية فهو فقه اللسان العربي، فإذا كان القرآن والسنة، بل وعلوم الشريعة كلها مكتوبة باللغة العربية، فلا مناص من إتقان اللغة وعلومها، فهي مفتاح الأصول وباب العلوم، والمقصود باللسان الملكة البيانية التي يعبِّر عنها المتكلم عما يجده من معانٍ وأحاسيس، بما يجعل السامع يشعر بما شعر به المتكلم، والمعضلة أن برامج التكوين العلمي في الأوقات الحالية يعتريها النقص في العالم العربي والإسلامي، فاللغة لا تؤخذ من كتب النحو والصرف والبلاغة فقط، وإنما تؤخذ بالأساس من مجال التفاعل اللغوي النفسي، وهنا تبرز أهمية كتب الأدب العربي شعرًا ونثرًا، فلم يكن عبثًا أن تواتر حض الصحابة للتابعين على تعلم أشعار العرب وحكمتهم، ولقد تأثر الأدب العربي بعد ذلك بأساليب القرآن، وصار للنثر مكانة كبرى بعدما كان الشعر هو فن العربية الأول.
أما الأصل الرابع والأخير فهو فقه الواقع، وقد غالى فيه طرفان؛ الأول جعل فقه الواقع أصلًا وحاكمًا على كل شيء، فردوا بعض أحكام الدين وأبطلوا بعض النصوص الصريحة بادعاء أنها مخالفة لفقه الواقع، وأما الطرف الثاني فأحكامه مجرد ردود أفعال للطرف الأول المغالي، فصدرت أحكامهم في تسرُّع واضح، وجعلوا “فقه الدين” على النقيض تمامًا من “فقه الواقع”، والحق أن “فقه الواقع” مفهوم أصيل وليس بدخيل على الأمة الإسلامية، وكان يعتمد عليه في إنزال الأحكام الشرعية على الأمر الواقع، فالحكم شيء والفتوى شيء مختلف، فمسمى فقه الواقع هو نظير لمسميات تحدث عنها العلماء والفقهاء قديمًا مثل “التفقُّه في حال الزمان وأهله”، أو “معرفة أحوال الناس وأعرافهم”، فلا بأس من تسمية فقه الواقع بفقه تحقيق المناط، والجهل بهذا الفقه يؤدي إلى وقوع كوارث وطامات في الفهم وفي الفتاوى.
الفكرة من كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
يعد هذا الكتاب دراسة تحليلية في مفهوم العلم وصفة العالمية وظيفةً وبرنامجًا من خلال وصية علمية منهجية تربوية وضعها الإمام أبو الوليد الباجي المالكي المُتوفَّى في القرن الخامس الهجري لأبنائه، ويأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب الأنصاري الدعوية التي حملت عنوان “من القرآن إلى العمران”، ويستهدف من خلال كتابه هذا بيان حقيقة صفة “العالم” بمعناها الشرعي، وقد عمل الأنصاري على دراسة وصية الباجي وشرحها وتوضيحها لبيان ما يلزم الطالب ليكون عالمًا بحق، ووضع برنامج تكويني في مجال العلوم الشرعية.
إن ما دعا الكاتب إلى تأليف هذا الكتاب أربعة أمور؛ أولها أن تجديد الدين يبدأ بتجديد العلم كما جاء في النصوص الشرعية المتواترة، فالعلم هو بدء كل شيء في الدين، وهو أساس كل حركة في الدعوة إليه تربية وتزكية، وثانيها موت عدد كبير من علماء الجيل الذي سبقه في المشرق والمغرب، والثالث انقطاع تدريس العلم الشرعي على وجهه الحقيقي، مما أدَّى إلى انقطاع تخرُّج أجيال بالمفهوم الأصيل للكلمة، فهو ينبِّه في هذه الرسالة إلى ما ينبغي فعله لتحقيق مفهوم “العالمية”، وآخر ما دعاه إلى تأليف تلك الرسالة انقضاض بعض أهل الأهواء والنوازع السياسية على وظيفة العَالِمية والتلبُّس بها بغير وجه حق.
مؤلف كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
فريد الأنصاري: أديب وعالم دين مغربي ولد عام 1969، حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة الحسن الثاني، المحمدية (المغرب)، وهو حاصل على دبلوم الدراسات العليا (نظام تكوين المكونين)، والماجستير في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط، وحاصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب، جامعة محمد بن عبد الله، وتُوفِّي في نوفمبر 2009.
من أشهر مؤلَّفاته: “مجالس القرآن”، و”جمالية الدين”، و”أبجديات البحث في العلوم الشرعية”، و”قناديل الصلاة”، و”بلاغ الرسالة القرآنية”.