من العالِم؟ وما العالِمية؟
من العالِم؟ وما العالِمية؟
لا جدال أن العلماء يؤدُّون دورًا مركزيًّا في تجديد الدين، وغيابهم عن الحركات الدعوية تسبب في كثير من الفساد والإفساد، فوجودهم ضروري في مواقع صناعة القرار، ويأتي بيان مفهومَي “العالِم” و”العالِمية”، أما عن العالمية فهي صفة كسبية في معرفة أحكام الشريعة أصولها وفروعها، يكون المتحقِّق بها “إمامًا” في الدين تعليمًا وتزكية، وأما العالم فهو الفقيه المجتهد، الرباني الحكيم الذي تحقَّق بالعلم وثار له كالوصف المجبول عليه، وفهم عن الله مراده، فصار يُربى بصغار العلم قبل كباره.
ولا يكون المرء عالمًا على الحقيقة ولا تتبلور عالِميته إلا بتوافر ثلاثة أركان، أولها الملكة الفقهية، وتتحقق الملكة الفقهية عندما يصبح المرء متمكنًا من المنهجية العلمية في البحث والتفكير، وعندما يتحقق بالعلم ويصير له كالوصف المجبول عليه، ويفهم عن الله مراده، ويمتلك خبرة منهجية في معالجة النصوص الشرعية فهمًا واستنباطًا، وهو المقصود من عبارة “الفقه في الدين”، فالاستنباط هو عين ملكة الفقه وغاية مراحل الطلب.
أما الركن الثاني فهو “الربانية الإيمانية”، وهي ظاهرة جلية في وصية الباجي (رحمه الله)، منها بدأ وإليها انتهى، وتتجلَّى الربانية الإيمانية في عدة مظاهر، كالتخلُّق بأخلاق القرآن، والتلبُّس بالتقوى والورع، وذلك عن طريق مجاهدة النفس من خلال الطاعات والقربات، ومخالفة الهوى لأنه نقيض العلم، وإخلاص الأعمال لرب العالمين، ومن ثم يصير العالم قدوة في أقواله وأفعاله لأنه يقوم في الأمة مقام النبوة.
أما الركن الثالث فهو القيادة التربوية والاجتماعية، وهي وظيفة العالم الإصلاحية، وهي من حق العلم عليه، وهي داخلة في خيرية الأمة الكامنة في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا يحدث هذا إلا إذا تبوَّأ العالم مركزًا من مراكز القيادة التربوية الاجتماعية، فيسهم في توجيه وتربية الخلق بما رزقه الله من علم وصلاح في نفسه، وبما رزقه الله من حكمة وبصيرة وخبرة دعوية، ولكن يجب عليه أن يتصف بالمروءة، من التحلي بمكارم الأخلاق وحسن القول والفعل، ومراعاة الآداب في كل ما يصدر عنه، وألا يتبع العادات السخيفة التي قد يتلوَّث بها مجتمعه في المأكل أو المشرب أو الملبس، وكل هذا ضروري لطالب “العالِمية”.
الفكرة من كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
يعد هذا الكتاب دراسة تحليلية في مفهوم العلم وصفة العالمية وظيفةً وبرنامجًا من خلال وصية علمية منهجية تربوية وضعها الإمام أبو الوليد الباجي المالكي المُتوفَّى في القرن الخامس الهجري لأبنائه، ويأتي هذا الكتاب ضمن سلسلة كتب الأنصاري الدعوية التي حملت عنوان “من القرآن إلى العمران”، ويستهدف من خلال كتابه هذا بيان حقيقة صفة “العالم” بمعناها الشرعي، وقد عمل الأنصاري على دراسة وصية الباجي وشرحها وتوضيحها لبيان ما يلزم الطالب ليكون عالمًا بحق، ووضع برنامج تكويني في مجال العلوم الشرعية.
إن ما دعا الكاتب إلى تأليف هذا الكتاب أربعة أمور؛ أولها أن تجديد الدين يبدأ بتجديد العلم كما جاء في النصوص الشرعية المتواترة، فالعلم هو بدء كل شيء في الدين، وهو أساس كل حركة في الدعوة إليه تربية وتزكية، وثانيها موت عدد كبير من علماء الجيل الذي سبقه في المشرق والمغرب، والثالث انقطاع تدريس العلم الشرعي على وجهه الحقيقي، مما أدَّى إلى انقطاع تخرُّج أجيال بالمفهوم الأصيل للكلمة، فهو ينبِّه في هذه الرسالة إلى ما ينبغي فعله لتحقيق مفهوم “العالمية”، وآخر ما دعاه إلى تأليف تلك الرسالة انقضاض بعض أهل الأهواء والنوازع السياسية على وظيفة العَالِمية والتلبُّس بها بغير وجه حق.
مؤلف كتاب مفهوم العالِمية من الكتاب إلى الربانية
فريد الأنصاري: أديب وعالم دين مغربي ولد عام 1969، حاصل على الدكتوراه في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة الحسن الثاني، المحمدية (المغرب)، وهو حاصل على دبلوم الدراسات العليا (نظام تكوين المكونين)، والماجستير في الدراسات الإسلامية، تخصُّص أصول الفقه، من كلية الآداب، جامعة محمد الخامس، الرباط، وحاصل على الإجازة في الدراسات الإسلامية من كلية الآداب، جامعة محمد بن عبد الله، وتُوفِّي في نوفمبر 2009.
من أشهر مؤلَّفاته: “مجالس القرآن”، و”جمالية الدين”، و”أبجديات البحث في العلوم الشرعية”، و”قناديل الصلاة”، و”بلاغ الرسالة القرآنية”.