روح تحترق وذكريات تصطفق
روح تحترق وذكريات تصطفق
نبي الله يعقوب (عليه السلام)، مثال الصبر الجميل على الفقد، واليقين في تمام الوعد، والإيمان الذي تجاوز برسوخه كلَّ حد، يبشِّره الله بقميص يوسف بشريات الخير، ويدفع عنه كلَّ ما مسَّه من ألمٍ وضُرٍّ ويجازيه خير الجزاء إذ كان يعقوب (عليه السلام) آية في الصبر.
فلم يستطع يوسف أن يصمد لمَّا علم أن أهله قد مسَّهم الضُرُّ، وأحاطت بهم المشقَّة من كل جانب، ولم يرغب أن يجتاز مفازة الذكريات المحرقة، فأطلق على حسد إخوته وغيرتهم ومحاولتهم قتله؛ جهلًا، فكانت معرفتهم له الصدمة الأعنف لهم، وعلموا أن يوسف ليس الأحب إلى أبيهم فحسب، وإنَّما إلى ربهم أيضًا.
ومن مفارقات القدر اللطيفة أن القميص الذي لم يأكله الذئب ولم تُمزِّقه السنوات، هو القميص الذي أحزن يعقوب بالدم كذبًا وقهرًا، فاستحال من بعد ذلك قميصًا يحمل ليعقوب البُشرى عبقًا وعطرًا.
الفكرة من كتاب يوسفيات
إن التدبُّر هو ما يفعله كلُّ مؤمن يقرأ كتاب الله، ما دام عقله حاضرًا، وقلبه واعيًا، فكلُّ معنى يقف عنده القلب مُتأثِّرًا، أو مُتشوِّقًا، أو مُتحسِّرًا، أو مُتلهِّفًا، أو مُحبًّا، أو مُبغضًا، وكل تلك المعاني النفسية هي من صميم التدبُّر، ولا يكاد قارئ لآيات كتاب الله إلا ويشعر بها في قلبه، ويتصوَّرها في خياله.
فالقرآن كتابٌ مُبين، ومن كونه مُبينًا أنَّ كلَّ الكُتب يعتريها غموض سواه، فكل الكُتب فيها لبس إلا هو، ويطرأ عليها شيء من التناقض عداه، إذ إنَّ الوضوح الصفة الأهم لأعظم كتاب أنزله الله، فمن قرأ القرآن ولم تتضح الرؤى لديه وتترتَّب فوضى عقله ولم تنسجم قناعاته مع مبادئه؛ فهو لم يقرأ القرآن حقًّا، وقد أُنزِل القرآن حاملًا خصائص العلو والارتفاع، فكل من قرأه علت نفسه، وكل من حفظه علت همَّته، وكلُّ من تدبَّره علت قدرته وأنارت بصيرته، ومن عمل به علت منزلته ومكانته.
مؤلف كتاب يوسفيات
علي بن جابر الفيفي: علي بن يحيى بن جابر الفيفي يعمل محاضرًا في قسم الشريعة واللغة العربية في كلية البرامج المشتركة بالمحالة، وقد التحق بالجامعة عام 1435 هجريًّا، وهو حاصل على بكالوريوس في تخصُّص العودة، هذا إلى جانب حصوله على درجة الماجستير في تخصُّص الدعوة والاحتساب.
من مؤلَّفاته: “لأنك الله”، و”محمد الرجل النبيل”، و”سوار أمي”، و”حلية الوقار”، وغيرها.