آلام المرأة
آلام المرأة
بعد دراسات عديدة لآلام المخاض عند المرأة من مجتمع إلى آخر، فألم المخاض ليس ألمًا حادثًا أو مرضًا، وقد يمتدُّ حتى تلد، وهو صعب لكنه عارض، وهي تعلم أنه سينتهي قريبًا، لكن تختلف آلام النساء فيما بينها في تجربة ألم المخاض، فهناك نساء يخضُنَّ تجربة الألم لكنهن لا يصلنَّ إلى مرحلة العذاب ويتجاوزنها، فقد أوضحت بعض الدراسات التي قامت بها عالمة الأنثروبولوجيا كورا دو بوا على النساء الحوامل الموجودات في جزيرة شمال تيمور عام 1944 ميلاديًّا، وأوضحت من خلال تجربتها التي جعلتها تقيم معهم أن النساء عندهم كُنَّ يخُضن ألم المخاض دون مسكِّنات، ويعتبرنها عملية بسيطة لأن المجتمع لم ينشر الأمر بتضخيم، فمن بين اثنتي عشرة ولادة شهدتها كورا لم تتجاوز الأمهات إلا ألمًا بسيطًا مثل التأوه وبعض الإزعاج وتصبُّب العرق في بعض الأحيان، ونتيجة لأبحاث أخرى أُقيمت في فرنسا في الخمسينيات لخَّصت امرأة ألم المخاض وقتها حين التقت عالمة الإثنولوجيا إيفون فيرديي بأنه: “ليست كل النساء يضعن بالشكل نفسه، فهناك من يضعن من غير ألم، ويلدن هكذا، ثم أخريات يتعذبن طويلًا”.
وكان التعبير عن ألم المخاض الشائع هو الصراخ، وعلى الرغم من ذلك فالنساء في السبعينيات بقرية مينو أيضًا تبعًا لأبحاث عالمة الإثنولوجيا إيفون فيرديي كن يرفضن التخدير أثناء الولادة، وكان الصراخ عندهن إعلانًا لألم الولادة وإشهارًا بقدوم طفل بكل فرح، وتعدَّدت وضعيات الولادة، ومنها ما هو صحيح طبيًّا، ومنها ما هو ضار، لكنهم منحوا المرأة حينها حرية اختيار وضعية ولادتها.
وهناك مجتمعات أخرى استخدمت طرقًا لتسهيل عملية ولادة النساء تخفيفًا عنهن مثل استخدام معادن متعددة كرقيات، ومنها العقيق الأحمر وبلور الصخر وغيرهما، وحيوانية مثل جلود الثعابين وغيرها، ونباتية مثل اللُّفاح وغيره، وفي منطقة اللورين كانت تدعك النساء الملح الكبير لسحقه، وهي من طرق الإلهاء عن الألم، واليوم استخدموا الاسترخاء والتنفُّس والتخدير والملامسة قبل الولادة للتهدئة، وانتشرت عمليات القيصرية وذلك بسبب تضخيم معاناة الولادة في المجتمعات.
الفكرة من كتاب تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث
هذا الكتاب امتداد لكتاب أنثروبولوجيا الألم لمؤلفنا دافيد لوبروطون، ويعرض فيه الجانب الاجتماعي والثقافي للألم، وهنا يعرض لنا تجربة فريدة من نوعها في علم النفس، وهي تجربة الألم وكيفية التعايش معه والتعبير عنه وعلاقته بالعذاب واللذة عند الإنسان، وظهور فئة تستمد المتعة بالألم مثل حركة السادومازوشية وغيرها، فالألم هو شعور بشري يُصيب الإنسان لأسباب متعددة، منها الألم الجسدي مثل الصداع أو أوجاع مرض ما، والألم النفسي نتيجة فقد عزيز، أو بسبب خسارة ما أصابتك بألم الحزن، وهكذا، وهناك ألم بهدف اللذة، وهناك ارتباط بين الشعور بالألم والعذاب، فهو إحساس يصيب الجميع دون مفر، وقد يكون عابرًا أو مُلازمًا للشخص، وهو ضريبة ملازمة للوجود الإنساني والجسدي للبشر.
مؤلف كتاب تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث
دافيد لوبروطون: أنثروبولوجي وعالم اجتماع فرنسي، أستاذ بجامعة ستراسبورغ، وعضو في المعهد الجامعي الفرنسي، وباحث في مختبر الديناميات الأوروبي، وهو متخصِّص في تمثيل الجسم البشري ووضعه في الاعتبار، وقد درسه بشكل خاص من خلال تحليل السلوك المحفوف بالمخاطر، وله أبحاث مهمة في حقل العلوم الاجتماعية المعاصرة، وله اهتمامات جانبية نادرة، من بينها بحثه في كتابنا هذا “تجربة الألم بين التحطيم والانبعاث”.
وله عدة كتب منها: “الصمت لغة المعنى والوجود”، و”أنثروبولوجيا الحواس: العالم بمذاقات حسية”، و”أنثروبولوجيا الألم”، و”سوسيولوجيا الجسد”، و”أنثروبولوجيا الجسد والحداثة”، وغيرها.
معلومات عن المُترجم:
فريد الزاهي: كاتب ومترجم وناقد فني مغربي، حصل على شهادة الإجازة في الفلسفة وعلم النفس، ثم على شهادة الدراسات المعمَّقة في الأدب المقارن، كما حاز دكتوراه السلك الثالث في الدراسات والحضارات الإسلامية من السوربون.
وله عدة مؤلفات منها: “الجسد والصورة والمقدس في الإسلام”، و”العين والمرآة”، وغيرهما، كما له عدة ترجمات، ومنها: “الصمت – لغة المعنى والوجود”، لدافيد لوبروتون”، و”كيف نحلم؟”، لإيزابيل أرنواف”، و”السحر والدين في أفريقيا الشمالية”، لإدمون دوطي، و”هل يمكن تعديل الدماغ؟” لكريستيان مارينداز، وغيرها.