بين القيام والنهوض
بين القيام والنهوض
أول هيئة نؤديها في الصلاة هي القيام، ولا يقتصر على وقوف مجرد لقراءة الفاتحة وسورة أخرى، هذا فقط ظاهر الأمر، فكل هيئة لها معانٍ كامنة خلفها، كما أن كل بناء هندسي يحمل بلا شك قيمًا وأخلاقيات، وإن غاب هذا عن أذهان البعض، ويظهر ذلك في الاختلافات التي نراها بين طراز معماري وآخر لاختلاف انتماء كل منهما إلى حضارة ما، لقد كانت المنارة الإسلامية رمزًا لشموخ المسلمين فيما مضى، وكانت الحضارة الإسلامية تنير بقاع الأرض المختلفة، وكانت البيوت متقاربة في أنموذج “الحارة” التقليدي كدليل على حالة تماسك المجتمع، فلما تآكلت القيم وتدهورت أوضاع المسلمين اختفت هذه الأبنية والهيئات ذات الخصوصية الثقافية.
لو نظرنا في المعاني التي تدور حولها لفظة وهيئة القيام لوجدنا أنها ترتبط ارتباطًا وثيقًا بالنهوض، فأن تقوم من جلوس هو أن تنهض، “أن تقوم” يترادف مع أن تنهض من عثراتك، وأن تجمع شتات أمرك بعد أن تسقط وتقوم وتحاول من جديد، أن تنظر دائمًا إلى أعلى بعلو همة وطموح، كل هذا يرتبط بالقيام في الصلاة، وكل هذه المعاني تكمن في القيام.
ولو تأملنا في كتاب الله عز وجل لوجدنا أن القيام ذُكِر في عدة مواضع بمعانٍ مختلفة، فهناك أنواع ثلاثة للقيام، منها قوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ﴾، وهذا سيفعله كل البشر فهو قيام قسري، وهناك قيام يخالف النهوض في كل معانيه يقول تعالى: ﴿لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ﴾ فمن يتعامل بالربا قد يبدو ظاهريًّا أنه ينهض ويحقق نجاحات مادية إلا أنه في حقيقة الأمر يستغل حاجات الناس لتحقيق أرباح شخصية، ومصيره كما ذكرت الآية، أما القيام الثالث فهو الذي يعبر عن النهوض الحقيقي، ذلك النهوض الذي يفعله المرء بإرادته وهو القيام بالقسط كما في قوله تعالى: ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾؛ أن تقوم بالقسط فهذا هو النهضة المطلوبة.
الفكرة من كتاب فيزياء المعاني.. هيئات الصلاة: نمط عمارة لبناء الإنسان
يقول رسول الله (ﷺ): “ما مِنَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ تَحْضُرُهُ صَلاةٌ مَكْتُوبَةٌ فيُحْسِنُ وُضُوءَها وخُشُوعَها ورُكُوعَها، إلَّا كانَتْ كَفَّارَةً لِما قَبْلَها مِنَ الذُّنُوبِ ما لَمْ يُؤْتِ كَبِيرَةً وذلكَ الدَّهْرَ كُلَّهُ”.
في هذا الكتاب؛ يعرض أحمد خيري العمري هيئات الصلاة من قيام وركوع وسجود، موضحًا المعاني الكامنة حول تلك الهيئات، وأنه لا ينبغي أن يقتصر المرء على القيام بالحركات والأوضاع دون فهم المعاني المرتبطة بتلك الحركات والمغزى من ورائها.
مؤلف كتاب فيزياء المعاني.. هيئات الصلاة: نمط عمارة لبناء الإنسان
أحمد خيري العمري: كاتب وطبيب أسنان عراقي، اشتهر بكتاباته في مجال النهضة الإسلامية، وتم تصنيفه -وفقًا لأحد مراكز الدراسات السويسرية- ضمن قائمة تحوي 100 من المؤثرين في صناعة الرأي عربيًّا، وذلك في عام 2017.
له من الإنتاج الثقافي الكثير منذ بدأ الكتابة والنشر، يتراوح بين ثلاثة عشر كتابًا وثلاث روايات وثلاثة برامج متلفزة، حيث احتلَّت الكتب النصيب الأكبر والانتشار الأوسع، ومنها:
البوصلة القرآنية.
عالم جديد ممكن.
الذين لم يولدوا بعد.
المهمة غير المستحيلة.
لا نأسف على الإزعاج.