استسلم للملل والخيال
استسلم للملل والخيال
يؤكد عالم الأعصاب الإدراكي “جوناثان سمولود” أن هناك ارتباطًا وثيقًا بين الابتكار والإبداع من جهة وبين الأفكار المتولدة تلقائيًّا في حالة خمول أذهاننا من جهة أخرى، وهذا يثبت ما نود الإشارة إليه هنا وهو أن نسمح لأنفسنا بالاستسلام قليلًا للملل، لأن هذا ينطوي على حاجة أدمغتنا الملحة بين الحين والآخر إلى الراحة، وأن هذا الإلحاح ليس ترفًا زائدًا كما يعتقد البعض إنما هو توصية صحية مهمة للحفاظ على منبع متدفق للأفكار مصدره يكون في الملل والشرود، وذلك بتفعيل خاصية شبكة الخيال الافتراضية المرافقة له، فما شبكة الخيال الافتراضية؟
تدور تلك الشبكة حول الشرود والملل مع بعض المعتقدات الخاطئة عن كون الدماغ في هذه الوضعيات لا يعمل، وهذا غير صحيح، إذ توفِّر لحظات الشرود الذهني وحالات الملل لأدمغتنا عندما لا نبذل مجهودًا ذهنيًّا كثيفًا تفعِّل خاصية ما يعرف بالوضع الافتراضي، الذي يمثل فسحة ذهنية تتولَّد فيها معظم الأفكار الجديدة وتترتب وفق ما يعرف بظاهرة “الترتيب المبرمج”، وهو الجزء المحدِّد لكثير من أفكارنا وأهدافنا المستقبلية حتى في ما يتعلَّق بتصوُّراتنا حول الواقع والآخرين.
إضافة إلى ما توفِّره هذه الوضعية من خيال خصب وومضات إبداعية خلاقة قد تكون مملة أو غير مستساغة في بادئ الأمر، إلا أن الاستسلام لها يوفر لنا مسعًى إبداعيًّا فريدًا تسميه عالمة المستقبليات “ريتا كينغ” الملل الإبداعي، وهو بمنزلة الأرضية الخصبة التي تحول حالة الضجر والملل إلى رابطة موثوقة لتوليد الأفكار المبتكرة والإبداعية، ما يجعل الانعزال عن مسببات التشتت المرتبطة بطبيعة التكنولوجيا والتقنيات التي تقتحم حياتنا عاملًا مهمًّا من عوامل إتاحة الفرصة للأفكار بالتوقد والبزوغ.
الفكرة من كتاب ملول وعبقري
أثَّر دخول التكنولوجيا والسوشيال ميديا في حياتنا بشكل كبير، فنحن نقع تحت قصف معلوماتي مستمر وحالة استهلاك مستنزفة وإجهاد عقلي متواصل، مما لا يتيح لهذه الكتلة الصغيرة المسماة بالدماغ قليلًا من الراحة أو الشرود، وهذا له نتائج وخيمة على المدى البعيد، إذ تشكِّل حالة الاستثارة الذهنية المتواصلة هذه تبلدًا فكريًّا وفقرًا إبداعيًّا، إضافة إلى التمركز حول نفس العادات والتقاليد اليومية التي تكسر عصا التجديد والابتكار.
وبناءً على ما تقدم تحدثت المؤلفة في هذا الكتاب عمَّا يسمى في علم النفس الإدراكي “الشرود الذهني”، وكيف يمكن للابتعاد عن الروتين الصاخب والملل أن يولِّدا أهم الأفكار إبداعًا وعبقرية.
مؤلف كتاب ملول وعبقري
“منوش زمردي”: صحفية ومضيفة بودكاست ومؤلفة، تركت في عام 2018 محطة “WNYC” لتأسيس شركتها الإعلامية الخاصة “Stable Genius Productions” مع زميلتها “جين بويانت”، وشهد عام 2020 بداية توثيق شركتهما في البودكاست.
وإضافةً إلى هذا الكتاب “ملول وعبقري” الذي أعادت به اكتشاف الجانب الرائع والمفقود للملل، فإن لها كتاب “شرارة: كيف تحرِّر دماغك من التكنولوجيا لإشعال إبداعك؟ – Spark: How to Free Your Brain from Technology to Ignite Your Creativity”.
معلومات عن المترجمة:
“فرح عمران”: مدوِّنة ومترجمة، ومن أعمالها:
الغريب.
أليس في بلاد العجائب.
فن النفوذ الصامت.
ماذا يعني أن تكون معلمًا؟